القرآن يصنع أمة

يقول الله تعالى : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم  ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } ..[ الإسراء 9 ] ، و قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } .. [ القمر : 17 ] .

و عنه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) .. [ رواه مسلم ] ، و يقول عثمان بن عفان – رضي الله عنه -: ( لو صلحت قلوبكم لما شبعتم من كتاب ربكم ).

ألا إن من أعظم نعم الله على الإنسان أن جعله مسلماً ، بل تزداد النعمة حينما أراد له أن يكون عربياً يتحدث بلغة القرآن منذ صغره ؛ يعيش في أسرة مسلمة ؛ يقرأ القران دون أدنى مشقة.

و تزداد الغبطة و البشرى، حينما يجد الإنسان نفسه في هذا البلد المعطاء بلد القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه و سلم و يجد من يعينه على تدبّر كلام الخالق جل في علاه.

و كلنا على يقين أن رفعة هذه الأمة و عزها و علو شأنها في حفظها لكتاب ربها و العمل به فيتحقق لها الفلاح في الدنيا و الآخرة.

و لا شك أن القرآن إذا استقر في قلب الإنسان أخرج حياً آخر يحمل كل معاني الخير و المنفعة لنفسه و لغيره، ففي جوفه قلب موحد { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } ، و في قلبه للناس كل الخير و الإيثار و العفو و الصفح و الغفران { وقولوا للناس حسنى }، و في عمله الإحسان و البر بالوالدين { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين إحسانا } ، فالقرآن يصنع أمة عظيمة ، أمة ليست في مهب الريح ؛ بل هي أقوى و أرسخ من كل جبال الأرض الشامخة و صخورها الصلبة ؛ و هي أمة باقية في علوها طالما أنها تحمل الحق الذي لا يقبل أنصاف الحلول و هو القرآن العظيم تحكمه في حياتها و إليه تحتكم ، فهذا هو الحق المطلق الذي يحق لنا أن نفاخر به و أن نعاظم الناس به ، و أن نحافظ عليه حفاظنا على أنفسنا بل و أكثر من ذلك ، و أن لا يكون لدينا شيء في هذه الحياة أغلى و أثمن منه فهو صلتنا بالله جل جلاله ؛ هذه الصلة هي أعظم صلة في حياة المؤمن الذي عرف و أدرك ؛ و لذلك فقوة أمتنا و رفعتها و شموخها متى ما أخذت بهذا القرآن : { إن تنصروا الله ينصركم } ، و ما تعب الناس و شقوا في هذه الحياة و أصابهم الكدر إلا عندما آثروا أفكار العقول التي لا تستنير بنور ربها و لا تستقي منه حكمها ، عقول مجردة عن الاستنارة بالقرآن ، واهية تعيش حياة التيه و الظلال و الحيرة فأصابهم الضيق و الكدر، و لم يعرفوا أين المسير، و لا مكان النور و الهداية ؛ لذلك نحن اليوم في نعمة غامرة و نحن نرى هذا الأثر العظيم لهذه الأمة التي تستمر و تواصل مسيرتها في نقل هذا القرآن الذي هو كلام الله تعالى لفئات المجتمع.

و لامجال للشك بأن القرآن الكريم أعظم و أفضل نعمة على وجه الأرض لمن حكَّم عقله و فكَّر بتؤدة ، و أفضل منحة ربانية هي الثبات على دلالة القرآن و هديه و سنة نبيه – صلى الله عليه و سلم – ، و هنا يحق لنا و نحن في أوائل شهر رمضان المبارك أن نعقد العزم على حفظ كتابه الكريم و العمل به ففيه الخير كل الخير للأفراد و للأمة أجمع ، يكفينا في ذلك صلاح أمرنا و علاقتنا مع الله أولاً ثم مع العالم حولنا إضافة إلى بركة الوقت و التي نعاني منها كثيراً .

و يقع على عاتقنا مسؤولية عظيمة تجاه كتاب الله و تعهده بالتلاوة و التدبر ليس فقط نتعهد أنفسنا بل كل من حولنا بدءاً من الفرد و مروراً بالأسرة و منه إلى المجتمع بأكمله بعزم ينبغي أن يكون بروح إيجابية تشعر الآخرين بطيب النفس و حب الخير لهم ؛ هذه البداية تحتاج منا أن نسأل أنفسنا سؤالاً صريحاً .. من أي صنف نحن ؟ ، و ينبغي أن تمتاز الإجابة على هذا السؤال بالصدق مع النفس ؛ حتى تكون نقطة إنطلاقة إيمانية قوية صادقة في أفضل الشهور و أعظمها بركة و يالها من انطلاقة في هذا البلد المبارك الذي أولى كتاب الله جل اهتمامه و يسَّر لحفظه و تدبّره كل السبل – اسأل الله أن يبارك فيه قيادة و شعباً وأن يحفظه من كل سوء و مكروه -.

و لايفوتني في هذا المقام أن أشيد بجمعية ” ترتيل ” لتحفيظ القرآن بمحافظة خليص و مراكزها و التي تشرفت بحضور حفلها الختامي في الأيام القليلة الماضية ، و حقيقة مارأيته من اهتمام و رعاية و حرص أمر يدعو للفخر و يستحق الشكر جزاهم الله عنا خير الجزاء و زادهم فضلاً ورفعة ، فلا أعظم و لا أشرف من العناية بكتاب الله الكريم و العمل ليل نهار لخدمته و خدمة حفظة كتابه ، بقرآننا نرتقي و به ننافس الأمم ، كما أنه النور المبين الذي يهدينا سواء السبيل و يجعلنا في مقدمة الأمم و قادة البشرية ، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.

أ. نويفعة الصحفي
[ مشرفة العلوم الشرعية بمكتب تعليم خليص ]

مقالات سابقة للكاتب

14 تعليق على “القرآن يصنع أمة

متابع من تويتر

سلمت الانامل على ماخطت من عبارات مضيئة اضاءت سطورها بنور ربها
مقالة في غاية الصدق والعمق
اللهم اجعل القران شفيعا لنا
تحياتي للاستاذة

إبراهيم يحيى أبو ليلى

نعم في الحقيقة مقال رائع من كل الجهات اولا انه جاء في في هذا الشهر رمضان شهر القرآن ..
نعم لقد اجادت الكاتبة رفع الله قدرها وجعل ما سطرت فبطي موازين حسناتها فلقد نصحت…
فالقرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هما النوارن اللذان اذا ما تمسكت بهما الامة كلها من مشارق الارض ومغاربها فلن تضل أو تذل أو تضام ولكن يجب التمسك بهما بصدق فل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي فعن مالك بن أنس مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله ” ). رواه في الموطأ ” فكل التحية والتقدير للكاتبه والشكر موصول لصحيفة غران التي تنتقي لنا الكتاب المبدعين في كل فن ..
فمبارك على الجميع شهر رمضان المبارك تقبل الله من الجميع الطاعات .

مريم الحربي

قلم رصاص من الطراز الرفيع . نفع الله بك كتب أجرك بكل حرف خطه قلمك

أم خالد العتيبي

اللهم اجعلنا من اهل القران
استمتعت كثيرا بقراءة المقال
القران وحده يصنع الامم
تحياتي للكاتبة القديرة جزاها الله خيرا
اللهم اهدي ابناءنا واجعلهم من اهل القران ياكريم

مريم عمران

مقال رائع من استاذه فاضله
تستحق كل التقدير والإحترام
نسأل الله ان يجعلنا من اهل
القران وان يجعله شفيعا لنا

أبو عبدالعزيز

نحن بحاجة للوقوف مع انفسنا والنظر الى اين وصل اهتمامنا بالقران الكريم لأنه هو وحده الذي يصنع الامة ????
شكرا لكم
مقال رائع

سمر الزهراني

صدقتي والله بكل حرف فالمسؤولية اولا واخيرا تقع على عاتقنا @
اللهم وفقنا لحفظ كتابك واجعله حجة لنا لاعلينا

إيمان عبدالمجيد

جزاك الله خير على ماخطته يمينك من عبارات رائعة بحق كتابه الكريم

البلادي

وبدورنا كذلك نشكر جمعية ترتيل لاهتمامها بحفظة كتاب الله جزاهم الله خيراً
شكرا لكم(((((((((

مصعب

للأسف نحن في زمن شغلتنا التقنية الحديثة فيه عن تصفح كتاب الله وقراءته وتدبره لذلك يجب علينا الاهتمام بتخصيص جزء من وقتنا من اجل العناية بالقران الكريم وتدبره وتدارسه وحث اولادنا وبناتنا على ذلك

ام مشعل الصحفي

بارك الله فيك وكتب لك الأجر والمثوبة على كل حرف كتبتية عن هذا الكتاب العظيم ..فعلاالقرآن حياة القلوب

الام المربيه

بارك الله فيك ونفع بعلمك استاذتي الغاليه

بدر سالم الشيخ

مقال رائع اجادت وابدعت كاتبة المقال ولا غرابة في تميز صحيفة غران فيما تطرحه من مواضيع ومقالات قيمة ومفيدة .
جعل المبدعين من الكتاب والكاتبات يسطرون ابداعهم في هذي الصحيفة .
نسأل الله ان يجعلنا من اهل القران الكريم وان يجعله شفيعنا يوم القيامة .
وان يجزي الكاتبة الفاضلة خير الجزاء على هذا المقال الرائع
وان يجعله في موازين اعمالها
ونتمنى من جميع ابناء المحافظة الذين يجدون صياغة المقالات
القيمة والمفيدة ان يستغلوا هذا المنبر الاعلامي المتميز
لنشر ابداعهم ومقالاتهم عبره .
شكراً للاعلامي المبدع الاخ احمد الصحفي .

نويفعة الصحفي

يعجز الفكر والقلم تباعا ، أن يعبر لكم فردا فردا عن عميق الشكر والعرفان ، لذلك اكتفي بما هو خير وأجل ، إنه الدعاء، أسال الله ان يشملنا جميعا الرزق العظيم ، الذي ورد في الحديث القدسي: ” الإخلاص سر من أسراري أودعته قلب من أحببت من عبادي، لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده “..
اللهم آمين ،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *