اﻟﻄَّﻔَﻞ: ﺇﻗﺒﺎﻝ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﺑﻈﻠﻤﺘﻪ، ﻭاﻟﻈﻠﻤﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ أيضاً والطُّفَيل: تصغير طِفْل، وقد سُمِّيَ به – أعني: الطُّفَيل – جملة من العرب قبل الإسلام وبعده، ومن أشرف من حمل هذا الاسم الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، ذو النور، الذي قدم مكة قبل الهجرة فبذلت قريش جهدها في تحذيره من رسول الله صلى الله ومن سماع شيء منه حتى جعل القطن في أذنيه خشية سماع شيء مما حُذر منه، فأبى الله إلا أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلم ويعود إلى قومه داعياً إلى الله ورسوله، ﻭﺩﻋﺎ ﻟﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺁﻳﺔ، ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﻧﻮﺭاً، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻫﺬﻩ ﻣﺜﻠﻪ، ﻓﺪﻋﺎ ﻟﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﺼﺎﺭ ﺫﻟﻚ اﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﺳﻮﻃﻪ، ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺬﻱ اﻟﻨﻮﺭ. ﻭﺃﺳﻠﻢ ﺑﻌﺾ ﻗﻮﻣﻪ، ﻭﺃﻗﺎﻡ اﻟﻄﻔﻴﻞ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﺎﺟﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﻨﺪﻕ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﺑﻴﺘﺎً ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ، ﻓﻮاﻓﻮا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺨﻴﺒﺮ، وعاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد يوم اليمامة رضي الله عنه وأرضاه.(١)
وممن حمل هذا الاسم رجل من أهل الكوفة ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻃﻔﻴﻞ ﺑﻦ زﻻﻝ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻏﻄﻔﺎﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻃﻔﻴﻞ اﻷﻋﺮاﺱ، وطفيل العرائس، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻭﻝ ﺭﺟﻞ ﻻﺑﺲ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻷﻣﺼﺎﺭ ﻓﺼﺎﺭ ﻣﺜﻼ ﻳﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﺘﺪﻱ ﺑﻪ.
وقد ترجم له الزركلي في الأعلام فقال: “ﻃﻔﻴﻞ: ﺭﺃﺱ اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﻴﻦ، ﻭﺇﻟﻴﻪ ﻧﺴﺒﺘﻬﻢ، ﻭﻣﻦ اﺳﻤﻪ اﺷﺘﻖ – ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺟﺢ – اﻟﺘﻄﻔﻞ، ﻭاﻟﺘﻄﻔﻴﻞ، ﻭﻓﻌﻞ (ﻃﻔﻞ) ﻭ (ﺗﻄﻔﻞ)، ﻭ (اﻟﻄِّﻔﻠﻴﻞ) ﺑﻜﺴﺮ ﺃﻭﻟﻪ، ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻄﻔﻴﻠﻲ. ﻭﻓﻲ اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ (اﻟﻄَّﻔَﻞ) – ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻄﺎء ﻭاﻟﻔﺎء – ﻭﻫﻮ ﺇﻗﺒﺎﻝ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﺑﻈﻠﻤﺘﻪ، ﻭﻫﺬا ﺑﻌﻴﺪ. ﻭﻣﺎﺩﺓ اﻟﺘﻄﻔﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻴﻮﻡ، ﺣﺪﻳﺜﺔ، ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻑ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ. ﻭﻣﻦ اﻷﻣﺜﺎﻝ: (ﻃﻔﻴﻠﻲ ﻭﻳﻘﺘﺮﺡ!) ﻭ (ﺃﻃﻤﻊ ﻣﻦ ﻃﻔﻴﻞ) ﻭ (ﺃﻭﻏﻞ ﻣﻦ ﻃﻔﻴﻞ) ﻭﻳﻘﻮﻝ اﻟﺮﻭاﺓ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻨﺰﻝ (اﻟﺤﻔﺮ) ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺩﺓ اﻟﺒﺼﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ. ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: (ﻃﻔﻴﻞ اﻷﻋﺮاﺱ) ﻭ (ﻃﻔﻴﻞ اﻟﻌﺮاﺋﺲ) ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻲ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ، ﺛﻢ ﺳﻜﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ. ﻓﺈﻥ ﺻﺢ ﻫﺬا، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎء اﻟﻨﺼﻒ اﻷﻭﻝ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻥ اﻷﻭﻝ ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ – اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻥ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﻴﻼﺩ- ﻭﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﺴﺒﻪ: ﻃﻔﻴﻞ ﺑﻦ ﺯﻻﻝ، ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﻼﻝ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ. ﻭﺷﻬﺮﺗﻪ اﻟﻐﻄﻔﺎﻧﻲ، ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ: ﻫﻮ ﻣﻦ ﻭﻟﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻏﻄﻔﺎﻥ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﻣﻦ ﻗﻴﺲ ﻋﻴﻼﻥ”.(٢)
وفي كتب الأدب جملة من أخبار الطفيليين ونوادرهم، بل خصهم الخطيب البغدادي رحمه الله بكتاب أسماه: (التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم) بين في أوله أصل التسمية واشتقاقهما ثم حكم الشرع في ذلك السلوك.
وخلاصة القول في ذلك أن التطفل من أخلاق اللئام، وسجايا الأوغاد، ومنهي عنه في الشرع.
ثم إنه تُوُسِّع في إطلاق التطفل على كل داخل فيما ليس هو من أهله، أو مقتحم لما لا يحسنه، أو مشْرَئِبٍّ للاطلاع على ما لا يعنيه، أو نحو ذلك، والتطفل على موائد الناس وطعامهم وشرابهم على ما فيه من قبح وشناعة فليس هو الأسوء فإنه ربما دعت إليه حاجة من فقر أو غربة أو غير ذلك؛ ولذلك فإن هذا النوع من التطفل قد يُحتمل وتتقبله طبائع الكرام دون غضاضة، وغيرهم ربما يصبر عليه على مضض.
أما النوع الأسوء من التطفل والذي لا يُقبل ولا يُحتمل بحال فهو التطفل على أمور الناس وشؤونهم وخصوصياتهم وذلك ما لا يرضاه أحد ولا يتسيغه، بل ربما تجد أنه كلما كان المرء متصفا بالكرم كان أبعد عن قبوله والرضا به، وقد يكسو المتطفل فعله ذلك – على قبحه – بمعنى من المعاني الشريفة كالاطمئنان على الأحوال، أو التعارف، أو الملاطفة، أو إسداء النصح، أو طلب المشورة في أساليب ملتوية، وحيل متنوعة تمجها الأذواق، وتنفر منها مكارم الأخلاق.
والغالب في الناس أنهم لا يشحون على أقاربهم وأصدقائهم وزملائهم بما يعنيهم من أحوالهم كل بحسبه، بل ربما يبادرون بالحديث معهم بذلك دون سؤال منهم عنه أو ظهور تطلع إليه، لكن ما شأن من لا يعنيه شيء من ذلك في قليل ولا كثير، وربما لا يوجد بينه وبين المتطفل عليه سابق معرفة قبل ذلك المقام، وربما لن يلقاه بعده أيضاً.
وفي حديث جامع من أحاديث المصطفى صلى عليه وسلم بيان لعلاج هذه الآفة وقطع لما يوصل إليها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((ﻣﻦ ﺣﺴﻦ إسلام اﻟﻤﺮء ﺗﺮﻛﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ)).
وهذا الحديث من الأحاديث الأربعة التي قال عنها الإمام أبو داود رحمه الله إن كل ﺣﺪﻳﺚ منها ﺭﺑﻊ اﻟﻌﻠﻢ.
وقد قيل: ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻨﻪ ﻓﺎﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ. كما قيل أيضاً: ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ، ﺩﻓﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ.
وﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺃﻛﺜﻢ ﺑﻦ ﺻﻴﻔﻲ: “اﻟﺤﺰﻡ ﺣﻔﻆ ﻣﺎ ﻛُﻠﻔﺖ، ﻭﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﻛُﻔﻴﺖ”.
ﻭمما يروى عن امير المؤمنين ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ رضي الله عنه أنه قال : “ﻛﻔﻰ ﺑﺎﻟﻤﺮء ﻋﻴﺒﺎً ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺧﻠﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ: ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﺃﻭ ﻳﻌﻴﺐ ﺷﻴﺌﺎً ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﺜﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺆﺫﻱ ﺟﻠﻴﺴﻪ ﻓﻲﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ”.
اللهم اجعلنا ممن شغلته بما يعنيه عما لا يعنيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد بن أحمد الأنصاري
____
(١) ﻗﺼﺔ ﺇﺳﻼﻡ اﻟﻄﻔﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ اﻟﺪﻭﺳﻲ في الروض الأنف (٢٢٦/٣) وما بعدها.
(٢) الأعلام (٢٢٧/٣).
مقالات سابقة للكاتب