🖋️ لقد أوصى الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما ، حيث قرن جلَّ جلاله بر الوالدين بعبادته .
فبر الوالدين شيئًا عظيمًا عند الله تعالى ، وهو أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى الله جلَّ جلاله ، لقوله تعالى : {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } .
وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8].
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في “تفسيره” (٢٣٨/٦) : (أمر الله تعالى عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسُّك بتوحيده؛ فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان؛ فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق).
والبر معناه اسم جامع الخير ، وهو ضد العقوق ، ومعناه الصلة وفعل الخير والتوسع فيه ، والتلطف معهما في كل الأفعال مثل القول والعمل ، والطاعة في غير معصية .
ومن بر الوالدين كذلك: مداومةُ الدعاءِ لهما بقلبٍ، حاضرٍ،، وبتضرعٍ، وإلحاحٍ ،امتثالًا لقولِ الحقِ جلَّ جلاله: ((وَقُل رَبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا))
عَلَيْـكَ بِبِـرِّ الـوَالِدَيْـنِ كِلَيْهِـمَا
وَبِـرِّ ذَوِي القُـرْبَى وَبَـرِّ الأَبَاعِـدِ
وقد بين النبي ﷺ : أن العقوق للوالدين من أكبر الكبائر ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -كررها ثلاثاً- قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، “.
فبرهما من أهم الواجبات ومن أعظم الفرائض، وعقوقهما من أقبح الكبائر والسيئات.
ومن الواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة بر الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما والأدب معهما في القول والعمل، ومن ذلك أن ينفق عليهما إذا كانا فقيرين وهو يستطيع النفقة، ومن ذلك مخاطبتهما بالتي هي أحسن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن وخفض الصوت، وعدم رفع الصوت عليهما، ومن ذلك السمع والطاعة لهما في المعروف إذا أمراه بشيء لا يخالف شرع الله وهو يستطيعه لا يضره ذلك، يطيعهما بالكلام الطيب والفعل الطيب .
ومن ثمرات بر الوالدين :
-أن برهما أقرب طريق إلى الجنة لحديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : قلت : يا نبي الله ، أي الأعمال أقرب إلى الجنة ؟! قال : «الصلاة على مواقيتها» قلت : وماذا يا نبي الله ؟ قال : «بر الوالدين»
-رضا الوالدين سبب في رضا الرحمن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد»
-بر الوالدين زيادة في العمر والرزق :
قال عليه الصلاة والسلام : “من سره أن يمد له في عمره، ويزاد في رزقه؛ فليبر والديه، وليصل رحمه”
-بر الوالدين يوصل الى الله تعالى : قال ابن عباس رضي الله عنهما : (إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة) .
-بر الوالدين سبب في غفران الذنوب : ويدلك على ذلك؛ هذه القصة: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة ؟ فقال : «هل لك من أم ؟» قال : لا, قال : «فهل لك من خالة ؟» قال : نعم , قال : «فبرها» [رواه الترمذي
ولقد ضرب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعظم النماذج الخالدة في برهم بآبائهم وأمهاتهم ومن ذلك :
* سيدنا نوح عليه السلام حيث ذكر لنا الله عز وجل نموذجا من بره بوالديه حيث كان يدعو ويستغفر لهما كما في قوله تعالى ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) سورة نوح ايه 28.
* سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام كان يخاطب أباه بلطف ، و إشفاق بالغ ، وحرص أكيد ورغبة في هدايته ونجاته، وخوفا من غوايته وهلاكه كما في قوله تعالى ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا )سورة مريم (41 -45).
* سيدنا إسماعيل عليه السلام يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية وذلك عندما قال له أبوه ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )فماذا كان رد ذلك الولد الصالح ؟ كان رده كما اخبر الله تعالى عنه ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات 102 .
* سيدنا عيسى عليه السلام يأتيه الثناء العطر، والتبجيل العظيم من ربه وهو ما يزال في المهد بأنه بار بأمه، وقرن هذا بعبوديته لربه عز وجل قال تعالى ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ).
وللشعر دوره الكبير في الوصية بهذه الشعيرة العظيمة:
كمالُ البرِّ للأبوينِ يَهدي
إلى مرضاةِ ربِّ العالَمينا
ويحمي النفسَ من عيبٍ وسوءٍ
ويرفعها مكانَ المُصطَفينا
ويجعلُها من الرضوانِ أهلاً
لتسبقَ من تسامَوا تائبينا
وينقلُها إلى العالينَ قدراً
مع المختارِ خيرِ المُرسَلينا
ويغمرُها بعفوٍ من كريمٍ
ويكرمُها بقرب الطيِّبينا
سموُّ البِرِّ لا يُعلى عليهِ
ويُدرَجُ في عدادِ الخالدينا
فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يبذلوا الجهد في البر بالوالدين حتى يحصلوا على سعادة الدنيا والآخرة .
🔘 إضاءة :
قال الإمام اِبنُ الجوزيّ – رحمه اللّه – :
« وليعلَم البارُّ بالوالدينِ أنّهُ مهما بالغَ في بِرِّهما لم يفِ بِشُكرِهِما ».
كتاب “البِرُّ والصّلة”: (ص٣٩).
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب