أيام معدودة ويحل علينا ضيفٌ عزيزٌ وزائرٌ كريم أتانا حاملاً إلينا الرحمات، وجالباً لنا البركات ، إنه شهر رمضان الفضيل ، شهر الرحمة والمغفرة والتوبة ، شهر الصبر والعبادة والعتق من النيران .
حَفَّتْ بِنَا نَفْحَةُ الإيمَانِ فارتفعَتْ
حرَارَةُ الشَّوْقِ فِي الوِجْدَانِ رِضْوَانَا
********
يَا بَاغَيَ الخَيْرِ هَذَا شَهْرُ مَكْرُمَةٍ
أقْبِلْ بِصِدْقٍ جَزَاكَ اللهُ إحْسَانَا
فمن الواجب على كل مسلم ومسلمة الاستعداد لهذا الشهر المبارك فقد كان السلف – رضوان اللّه عليهم – يستعدون لشهر رمضان ما لا يستعدون لغيره من الشهور ومن ذلك مايلي :
– تجديد التوبة : بأن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والإقلاع عنها وعدم العودة إليها قال تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
– تحقيق التقوى : فإن من أعظم آثار الصيام تحقيق التقوى لقوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وتقوى الله خير الزاد ذخراً
وعند الله للأتقى مزيد
– الفرح بقدوم هذا الشهر الفضيل : للاستزادة من الأعمال الصالحة والمنافسة في التجارة الرابحة ، فالصوم جنة ، وباب من أبواب الجنة فيه تضاعف الأجور ، وتزيد الحسنات فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول: (قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ صيامَهُ ، يفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ ، ويغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ ، وتغلُّ فيهِ الشياطينُ ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حُرِمَ ).
فإن الفرح بقدوم شهر رمضان من تعظيم شعائر الله ؛ فيجب علينا أن نعظم ما عظم الله عزوجل.
وعليه فإن إظهار الفرح والسرور والبهجة بمقدم هذا الشهر المبارك من علامات تعظيم أمر الله تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }.
– صيام ماتيسر من هذا الشهر “المغفول عنه” شعبان : ومن ذلك أيضاً الحرص على صيام القضاء لمن بقي عليه أيام من رمضان الماضي فعليه أن يتمها قبل دخول شهر رمضان.
– إستثمار الوقت : فيجب المحافظة على الأوقات فهي أغلى مانملك وأسهل مانضيع فالوقت هو الحياة :
والوقت أنفس ماعنيت بحفظه
وأراه أسهل ماعليك يضيع
فلنحرص بأن نُنهي جميع أعمالنا المعلقة قبل شهر رمضان، من أجل البدء بذهنٍ صافي والاستعداد والتفرغ لشهر رمضان المبارك فوقت رمضان كنز ثمينٌ؛ فهو من الأزمنة المباركة التي يحرص المسلم على اغتنامها. قال صلى الله عليه وسلم: (إن لربكم عز وجل في أيام دهركم نفحاتٌ فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً)، ولا ريب في أن أوقات رمضان من النفحات المباركة، التي على المسلمين أن يغتنموها فيما يحب ويرضى سبحانه .
– كثرة الدعاء : ببلوغ هذا الشهر الفضيل والإلحاح على الله تعالى في أن يبارك له في وقته وعمره، وأن يبارك له في شعبان ورمضان، لقوله تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فقد كان السلف يدعون الله سبحانه وتعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم .
– شراء مايُلزم : من إحتياجات لشهر رمضان والعيد للتفرغ للعبادة وتجنب الزحام والغلاء .
– الجود والصدقة : وثوابهما عظيم عند الله تعالى وقد رغَّبنا الله فيه في أكثر من موضع من القرآن الكريم، قال الله – تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وقد كان صلى الله عليه و سلم كريماً معطاءً , يجود بالمال والعطاء بفعله و قوله يعطي صلى الله عليه و سلم عطاء من لايخشى الفقر ، إمتثالاً لقول الله تعالى :{من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}.
– التفرغ لقراءة القرآن الكريم : لقوله جلا وعلا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }.
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن”.
وقد كان السلف – رضوان الله عليهم – إذا دخل رمضان يتركون كل شيء، ويقبلون على العبادة، وخاصة قراءة القرآن ،بل جاء عن بعضهم أنهم كانوا يتركون مجالس العلم للتفرغ للعبادة وقراءة القرآن .
واتل القرآن وسبح فيه مجتهداً
فإنه شهر تسبيح وقرآن
فهكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر ،واستقبال المريض للطبيب المداوي ،واستقبال الحبيب للغائب المنتظر ،فنسأل الله أن يبلغنا رمضان ونحن بصحة وعافية وأمن وإيمان وسلامة وإسلام وأن يغنمنا خيراته العظيمة وبركاته الكثيرة التي خصها جلّ وعلا بهذا الشهر العظيم المبارك .
🔘 إضاءة:
شهر رمضان مدرسة كبرى لتربية النفس على الطاعة وتهذيبها .
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب