كنت في املج !
رحلة التاريخ والشعر والجمال
(1) فاتحة شعرية:
إهداء لـ(أملج) وأهلها الأكارم.. بمناسبة إقامة الأمسية التاريخية/ الشعرية في ديوانية المناخة التراثي مساء الاثنين 9/8/1445هـ احتفاءً بيوم التأسيس 1445هـ. بعنوان: أملج المليحة/ الجميلة:
إلى الحوراء/ أملج.. يا السنافي
تحرك بالمعاني والقوافي
********
وغرد ما استطعت بشِعْرِ حُبٍّ
فصيح القول.. لا يخفيه خافي
********
تأكد أن فيك اليوم نبضٌ
من التاريخ.. والأمس الخرافي
********
دعته لك الظنون فلا تبال
أيصحو مورقاً… من كان غافي
********
فلا تدع القوافي مُشْرعاتٍ
على كلِّ اليقين… فأنت جافي
********
تعلَّم من زمانِك فالرَّزايا
حبيباتٍ إلى القُلْبِ الرِّهافِ
********
مضت أيّامُنا تُطْوَى سراعاً
وما ندري.. أحقَّاً ما نُصَافي
********
أم الدُّنيَا تُرينا مُبتغَاها
ونحن على النَّقيضِ بلا إئتلاف
********
سمونا في مداريج كِرامٍ
عليهم من سنا الأيام سافِي
********
بنو (الحوراء) يبنون المعالي
ويرتفعون في الجُبُلِ الشِّراف
********
لهم أمجادهُم منذ ارتوينا
سواقيهم، ولازالوا نِيَافي
********
وأرضُهُمُ الَّتي نمشي عليها
هي (التِّبْرِ) المكلل بالعطاف
********
وبحرهم الذي يأوي الحيارى
إلى شطآنه… دون اختلاف
********
(جبل حسَّان) من جُزُرٍ كِثارٍ
عليها الفجر… يورق بانكساف
********
و(يَا أم السَّحرْ) طبتي وطابت
لياليك… فأنت السِّحر ضافي
********
وتلك (رمالُك البيضاءْ)… صارت
تنادي للتَّصافي والتَّعَافي
********
فأنت مليحةٌ في عين عيني
وأنت جميلة… دون انحراف
********
عليك من الفؤادِ سلامُ حُبٍّ
يُرَددُ في الشَّواتي والصوافي
وذات مساءٍ.. جاءتني الدعوة من أخي الدكتور ناصر الحميدي (أبو سعد)، لإحياء أمسية تاريخية/ شعرية بديوانية المناخة التراثية في أملج/ الحوراء/ الزهراء، والتي رتبوا لها أن تكون مساء الاثنين 9/8/1445هـ الموافق 19/2/2024م، بعد صلاة العشاء.
واتفقنا على أن يكون المسير والرفقة صباح يوم الأحد 8/8/1445هـ والعودة يوم الثلاثاء 10/8/1445هـ، بمشيئة الله تعالى.. وهذا ما كان ففي صباح الأحد وبعيد صلاة الفجر كان وصول الزميل/ الرفيق الدكتور ناصر الحميدي إلى داري بحي النعيم بجدة، قادماً من الطائف ومكة، وانطلقنا في رحلة برية، طوينا فيها الأميال والساعات حتى أشرقت علينا شمس النهار ونحن أمام (مستورة)!! تلك القرية/ المدينة التابعة لمحافظة رابغ والواقعة على ساحل البحر على بعد 200 كلم غرب جدة. وما إن شارفناها حتى تذكرت (وذكرت ذلك لأخي ورفيقي الدكتور ناصر الحميدي) أننا كنا نمر بها في طريقنا إلى المدينة المنورة يوم كان الخط والطريق بمحاذاتها، ونستريح فيها إما للغداء أو العشاء، وكانت قرية مزدهرة يؤمها الحجيج وزوار المدينة المنورة، ولكنها اليوم أضحت في منأى عن الطريق الجديد الرابط بين مكة والمدينة/ طريق الهجرة!! وتشير المصادر أنها كانت استراحة للمحمل المصري القادم للحج ومعه كسوة الكعبة المشرفة، وأنها سميت بهذا الاسم لأن معركة قديمة وقعت فيها وماتت/ أو قتلت إحدى النساء، فوجدوها مكتسية بحلة تستر كامل جسدها، فردد المتقاتلون كلمة (دعوها فإنها مستورة)!! وقيل إن رحالة وصلوا إلى بئر في هذه المنطقة فوجدوا عندها امرأة ملقاة وبادية العورة، فصاح من رآها استروها فهي مستورة!!
وفي رأي ثالـث قالـوا إن شـريـف مكة محمـد بن بركــات الذي حـكم فيما بين 859-903م، في القرن الحاري عشر، هو الذي أنشأ هذه البئر وسماها (مستورة) لنفع الحجيج والقوافل!!
ولكن الذي أميل إليه وتطمئن إليه النفس أن البئر نسبته لأمرأة اسمها (مستورة)، وقد يكون شريف مكة أحياها وجدد بناءها للقوافل والحجاج المارين بها، وبذلك اشتهرت المنطقة ونمت حتى وصلت إلى هذا العهد السعودي الزاهر واستمر المسمى حتى يومنا الحاضر!!
هنا، وبجوار الجسر المنشأ حديثاً ليربط بين الخط السريع جدة – ينبع – أملج، والموصل إلى (مستورة) أنخنا ركابنا، وفرشنا سفرتنا إيذاناً بتناول طعام الإفطار الذي أعدته لنا – مشكورة – (أم سلطان وابنتها رهف) احتفاءً بهذه الرحلة الميمونة وكان طعاماً سعودياً (من جازان (المرسة)، ومن مكة حلويات أبو نار ومخللاته، ومن جدة خبز الحطب والملَّة) مع القهوة والتمرة، والشاي المعطر بأزهار المدينة النبوية والحمد لله على نعمه وأفضاله!!
وبعد استراحة الإفطار، غادرنا المكان متوجهين إلى أملج وعلى بعد ساعة من الزمن تقريباً توقفنا عند محطة ساسكو لنستريح ونصلِّي صلاة الضحى ونتزود بما نحتاج لمواصلة المسير فأمامنا ساعتين تقريباً لنصل إلى وجهتنا إن شاء الله.
وهنا نحن مع مطلع الساعة العاشرة صباحاً نتفيأ ظلال أملج/ الحوراء وتستقبلنا نسائم بحرها العليلة، وهوائها المنعش البارد، ونشاهد مبانيها الحديثة وحدائقها الخضراء وخاصة الطريق العام على الساحل والكورنيش (طريق الملك عبدالله) لنصل إلى شمال المدينة حيث حي (الدقم) الذي يحتوي على العديد من الفنادق والشقق المفروشة التي بدأت تنمو وتتكاثر في مدينة المستقبل وبمواجهة شاطئ (الدقم).
وبعد جولة وبحث عن المكان المناسب، وقع الاختيار على فندق (حياة تاون 3)، الذي استقبلنا أحسن استقبال واختار لنا الغرفة 107 في الدور الأول المجهزة بكل وسائل الراحة لنلقي عصا الترحال بعد رحلة صباحية طويلة ومتعبة والحمد لله.
د. يوسف حسن العارف
مقالات سابقة للكاتب