🖋️ هي “ليلةٌ” من أهم وأفضل الليالي في العام وقد أُنزل فيها القرآن ، “ليلةٌ” ليست كسائر الليالي ، “ليلةٌ” مباركة خيرٌ من ألف شهر ، فيها يفرق كل أمر حكيم قال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} .
-فضلها ومعناها : قد وصفها الله سبحانه بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن بركتها أن القرآن أنزل فيها.
وهي ليلة عظيمة القدر، ضاعف الله فيها أجر العمل الصالح لهذه الأمة أضعافا كثيرة. فقد نزل القرآن في هذه الليلة قال الله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }.
فإن قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر من هذا الزمان ، وهي أفضل من عبادة كل تلك المدة.
وزد في طاعةِ الرّحمنِ حبًّـا
عظيمُ الــخير آيــاتٌ وذكــرُ
*********
ستأتي لــيلةٌ عــن ألفِ شهرٍ
كــأنَّ الــيومَ بالطّاعاتِ عُمْرُ
وفي قوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} هذا يدل على كثرة الرحمة والبركة فيها، فإن الملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة .
والقدر: معناه الشرف العالي، والمنزلة العظيمة ،وهي الليلة التي سماها القرآن ليلة مباركة ، والبركة كلمة جامعة لمعاني الخير .
ياليلةً في كتابِ الله قد ذُكرتْ
ومن فضائلها القرآنُ قد نزلا
*********
ياخير من ألف شهرٍ كلُّنا أملٌ
بأن يراكِ وعتقَ الله قد سألا
*********
فيك الملائكةُ الأبرارُ قد نزلتْ
والروحُ من كلّ أمرٍ جاء ممتثلا
*********
أنتِ السلامُ الّذي تمتدُّ غيمتهُ
للسائلين وخير الله قد هطلا
-تسميتها وعلامتها : سميت ليلة القدر ؛ لأن الله تعالى يقدر فيها الأرزاق والآجال ، وحوادث العالم كلها ، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء ، وكل ما أراده الله تعالى وقدره في تلك السنة ، ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال تعالى: “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ “.
وتختص هذه الليلة المباركة “ليلة القدر” بالعشر الأواخر من رمضان وأوتارها آكد من غيرها وآرجاها فقد بين نبينا ﷺ أن أوتارها آكد من أشفاعها فمن قامها جميعًا أدرك ليلة القدر لقوله ﷺ : “من قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه”.
وقوله ﷺ : (التمسوها في العشر الأواخر).
وتتضح علامات ليلة القدر الصحيحة من خلال ما يلي:
١- طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها لقوله ﷺ عن شمس ليلة القدر: “ أنَّهَا تَطْلُعُ يَومَئذٍ لا شُعَاعَ لَهَا“، مما يدل على صفاء سماء هذه الليلة وهدوء شمسها مما يجعل الجو فيها معتدل لا حر فيها ولا برد.
٢- السكينة :
تعتبر من أكثر الليالي التي تسكنها الراحة والطمأنينة بسبب نزول الملائكة على الأرض، وذلك لقول الله تعالى: { تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرࣲ سَلَـٰمٌ هِیَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ } ويُنزل الله على العباد هذه السكينة في قلوب المؤمنين القائمين والعابدين من أجل الشعور بالطمأنينة والسكينة والراحة .
٣- ليلة وترية :
تأتي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وفي الليالي الوترية أي الليالي الفردية ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال قول الرسول ﷺ :“ وَقَدْ رَأَيْتُ هذِه اللَّيْلَةَ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في كُلِّ وِتْرٍ“.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه اللّه – في “مجموع الفتاوى” (٢٨٥/٢٥) :”ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي ﷺ وتكون في الوتر منها”.
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في “الفتح” (٣١٤/٤) : “أرجح الأقوال إنها في الوتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل”.
-الحكمة من إخفاء ليلة القدر ؟
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – في “فتاوى نور على الدرب” (١١/٢) : “قد أخفاها الله عزوجل عن عباده لحكمتين عظيمتين : إحداهما أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها ، فإنها لوكانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط .
والحكمة الثانية : أن يزداد الناس عملاً صالحا يتقربون به إلى ربهم ، لينتفعوا به” .
-كيف كان يحييها النبي ﷺ :
كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها لقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : “كَانَ رسُول اللَّهِ ﷺ : إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ “.
– ومن أفضل مايُعمل في هذه الليلة وفي العشر مايلي :
١ -قيام الليل : لقول نبينا ﷺ : (عليكم بقيام الليلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قبلكم، وقربة إلى الله تعالى ومنهاةً عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد).
٢ -الاجتهاد في الدعاء : ولا سيما أن ليلة القدر درة هذه العشر الأواخر من رمضان ، وهي ليلة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل حيث يقول نبينا ﷺ : (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوثر مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)،
٣ – دعاء ليلة القدر : يستحب للمسلم أن يكثر من الدعاء ومن الدعوات الطيبة، ومن أحسن الدعاء أن يقال : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني، لما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله! إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال ﷺ : قولي: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
ومن الدعاء أن يسأل الله رضاه والجنة، وأن يتعوذ بالله من غضبه والنار، ومن الدعاء أن يقال: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ويسأل ربه كل خير، لقوله سبحانه في كتابه العظيم: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم }.
ولهذا فإن من الخير للمسلم أن يُكثر من هذه الدعوات المباركة في كل وقت وحين، ولا سيما عند تحري “ليلة القدر” التي فيها يُفرق كل أمر حكيم، وليعلم المسلم أن الله عز وجل عفو كريم يحب العفو { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملنا بعفوه، وأن يدخلنا في رحمته، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما ويجعلنا من عتقائه في هذا الشهر الفضيل .
منى الشعلان
🔘 إضاءة :
قال العلامة الشيخ ابن باز – رحمه الله -:
“مَن اجتهد في العشر كلها في الصّلاة ،
والقرآن ، والدعاء ، وغيرها ؛ أدرك ليلة
القدر بلا شك ، وفاز بما وعد الله به”.
مجموع الفتاوى (٤٢٣/١٥)
مقالات سابقة للكاتب