(*) في رثاء زميلنا الأستاذ الدكتور عبدالله سراج منسي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة (يرحمه الله).
(1) فاتحة:
لـ (عبدالله) ترتجل القوافي
هو الرجل الحبيب على فؤاد
فواأسفى يموت ولا أواسي
أ(عبدالله) كنت أخا وفاءٍ
|
|
عزاءًا في الكريم ابن الكريمِ
تلظى فهو في غمٍّ وخيمِ
سوى بالشعر والهم العظيمِ
رفيع القدر ذا نبل حكيمِ
|
* * *
(2) وكانت دار التوحيد بالطائف أول التعارف والتلاقي.. زمالة دراسة، ورفقة درب، وإن كان (عن بعد) فهو في فصل دراسي، وأنا في آخر، كان زميل مرحلة.. ولم يكن زميل صف.. كان النشاط الرياضي والثقافي يجمعنا.. أنا في إذاعة المدرسة والجماعة الأدبية، وهو في النادي الرياضي.. كان شعلة نشاط، وتوقد رياضة، كانت البطولات التنافسية في لعبة السلة، وألعاب القوى فيمثل الدار خير تمثيل ويقود النجاحات والكؤوس والبطولات لرشاقة في جسمه، وابتسامة صادقة على محياه، وحيوية في معنوياته، وسماحة في خلقه.
وكان للنشاط الكشفي أثر بارز في شخصيته الاجتماعية وعطاءاته التطوعية، وقياداته الشبابية، إذ تطورت معه إلى الجامعة التي جمعتنا سوياً في كلية الشريعة بمكة المكرمة وقسم التاريخ فيها، وكانت حينذاك فرع لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
أربع سنوات جامعية وكان التاريخ يجمعنا في مناشطه العلمية، والرحلاتية، والبحثية، والمعرفية، حتى تخرجنا بشهادة البكالوريوس في العام 139٦/139٧هـ، لتتفرق بنا السبل الوظيفية فأنا أدخل سلك التعليم في جدة وهو معيد في قسم التاريخ/ كلية الآداب/ جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
وتعود بنا الحياة لنجتمع في المسار الأكاديمي والدراسات العليا لمرحلة الماجستير، ونتتلمذ سوياً تحت إشراف أستاذنا الدكتور محمد حسن صالح منسي (يرحمه الله) فأنال درجة الماجستير عام 1405هـ في رسالة علمية بعنوان: العثمانيون وحكومة الأدارسة في عسير، وينال هو شهادة الماجستير في نفس العام في رسالته العلمية بعنوان: سياسة الدولة العثمانية في الخليج العربي.
ثم نفترق في شهادة الدكتوراه فيكملها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة وينالها عام 1411هـ، وأنا أكملها في جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1412هـ، لنعود ونجتمع مرة أخرى في رحاب عروس البحر الأحمر/ جدة هو أستاذ جامعي في قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وأنا باحث مستقل في الدراسات التاريخية ومتعاون مع كلية المعلمين التابعة لوزارة المعارف آنذاك لارتباطي الوظيفي بشعبة الإدارة المدرسية بتعليم جدة!!
ومع هذه المسافة المكانية والعملية في جدة كان حقل التاريخ والأمسيات والأصبوحات التاريخية تجمعنا وتؤلف بيننا، وتصنع من البعد قرباً، والتفرق تجمعاً، والشتات التئاماً.
* * *
(3) والدكتور (عبدالله سراج منسي)، باحث في التاريخ متميز، انتمى لحقل الدرس الوثائقي منذ الماجستير وتتلمذ على الأستاذ الدكتور محمود حسن صالح منسي، الأستاذ في جامعة الأزهر ، والزائر لقسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز(يرحمه الله ) الذي دلنا على البحث الوثائقي، وشجعنا على ارتياده وسلوك شعابه وآفاقه حتى أصبح هدفنا ومتبغانا في كثير من دراساتنا وبحوثنا (المابعدية) – فهاهو الزميل الدكتور (عبدالله منسي) ومنجزاته البحثية المعتمدة على النصوص الوثائقية مما يدل على ضلوعه في هذا المسلك البحثي المتميز ومنها ما يلي:
– نفط الخليج العربي بين جامعة الدول العربية والأطماع الاستعمارية/ دراسة وثائقية، 2007م.
– محمد كامل القصاب وعلاقته بالمملكة العربية السعودية/ دراسة وثائقية، 2001م.
– الكويت وجامعة الدول العربية من مساعي الانضمام حتى الأزمة الكويتية العراقية 1961م، دراسة وثائقية، 2006م.
وغيرها من الدراسات والبحوث الوثائقية التي أهلته لنيل التكريمات والترقيات العلمية الأكاديمية حتى وصل درجة الأستاذية متوجاً حياته التعليمية والمهنية بهذه الدرجة الأكاديمية.
وعبر هذه المسيرة البحثية والمعرفية والعلمية ، تكللت جهوده بالكثير من الجوائز والاستحقاقات وأهمها: جائزة الملك عبدالعزيز للكتاب التي تشرف عليها دارة الملك عبدالعزيز، وقد نالها عن كتابه: جدة في التاريخ الحديث عام 1428هـ/2017م.
* * *
(4) وحبيبنا الأستاذ الدكتور عبدالله منسي (يرحمه الله)، الذي ننعيه اليوم ونرثيه، كان ملء السمع والبصر أستاذاً في الجامعة ومشرفاً على الرسائل العلمية والبحوث الأكاديمية، ومشارك في اللجان التنظيمية، رأس قسم التاريخ، وقاد فريق العمل، بكل إخلاص ومسؤولية وقدرة على العطاء، وتفاني في حب العمل وإيثاره على الراحة والدعة والاستكانة، فى مواطنة صادقة، وانتماء للوطن والقيادة الرشيدة، حتى ألقى عصا الترحال الوظيفي، فتقاعد عن العمل الأكاديمي، ولم يتقاعد عن العطاء الفكري والتاريخي وإن كان أقعده المرض حيناً من الدهر في أخريات أيامه.
لقد تنادينا – نحن خريجو قسم التاريخ – بعد خمسين عاماً من تخرجنا للتجمع واستعادة الذكريات بقيادة الزميلين الدكتور محمد عبدالله العيسى والدكتور علي بردي الزهراني، واجتمعنا أكثر من ثلاثين خريجاً مساء يوم الجمعة 12/4/1445هـ، وافتقدنا زميلنا الدكتور عبدالله منسي وتساءلنا عن سبب غيابه فقيل إنه اعتذر لظروفه الصحية وكان الأمل أن نزوره ونعوده في مرضه للاطمئنان ولكن القدر سبقنا إليه والحمد لله. فقد جاءني خبر الوفاة وأنا في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح يوم الخميس 25/9/1445هـ حينما أرسل لي أخي الدكتور عبدالرحمن العارف صورة لتغريدة الدكتور نوح الشهري – أحد منسوبي جامعة الملك عبدالعزيز بجدة – والتي يقول فيها: “رحم الله الوجه البشوش والطيب الأخلاق حبيبنا أ.د.عبدالله سراج منسي أستاذ التاريخ بجامعتنا، اللهم اغفر له في هذه الليالي الفاضلة وأسكنه الفردوس الأعلى وأحسن عزاء أهله ومحبيه وطلابه، له ذكرى طيبة في نفوس كل من عرفه وهكذا الذكر عمر ثانٍ، اللهم أحسن لنا ولكم الذكر والخاتمة”.
* * *
لم أصدق الخبر-في البداية – ورحت أتأكد من العم Google فلم أجد أي إشارة، واتصلت على بعض الزملاء ولم يكن لديهم العلم الأكيد، حتى بدأت المعلومات تتواصل والخبر يصبح مؤكداًـ فأرسلت للزملاء بذلك إعلاماً وترحماً وعزاءًا، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح الجنان.
* * *
ختام:
الموت حق علينا قـــد عرفناه
في كل حين ينادينا فنلقاه
يختار منا خيار الناس منزلة
وما جزعنا لأن الراحم الله
اللهم ارحم فقيدنا (عبدالله منسي) وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأحسن العزاء لأهله وأبنائه ومحبيه.
والحمد لله رب العالمين.
د. يوسف حسن العارف
المدينة 26/9/1445هـ
جدة 30/9/1445هـ
مقالات سابقة للكاتب