عقول للإيجار

من الكوارث التي حلت بمجتمعنا أخيراُ ولازال الكثير منا زاماً لشفتيه، رافعاُ لحاجبيه وممسكاً بأم رأسه من هول الصدمات التي أدت إلى تفجير المساجد والمرافق العامة وقتل الأقارب بدم بارد.

سكب الكثير من الحبر وجرت الأقلام كثيراً على أوراق الشجب والاستنكار، وعلى استحياء في البحث المستمر والجاد لمعرفة المرض وليس العرض والنتائج ، فاتهمت المناهج والمساجد والجامعات والمدرسون وكافة محاضن التربية ، ولكن مسلسل إهدار دماء الأقارب وقتل المعصومين يفجؤنا كل عام مرة أو مرتين ثم لا نفيق ولا نتوب ، ودون أن نضع أيدينا على موضع الداء لوصف الدواء.

السؤال الرئيسي (في رأي) : كيف يسلم الشاب عقله للغرباء لغسله وإعادة استخدامه وتشكيله بما يتوافق وأهداف وملفات لا ناقة للشاب فيها ولا جمل؟!
هكذا وبكل بساطة ينقلب الشاب الهادئ الوديع أو المنفلت من كل زمام اجتماعي أو ديني إلى كتلة من اللهب تحرق الأخضر واليابس إرضاءً وتبعية عمياء لأشباح ما وراء الحدود! .. لنكن أكثر صراحة ووضوحاً في التوصيف علّنا نساهم في استجلاء الصورة والنظر إليها بكافة أجزائها.

إن الأمور الفكرية وبناء العقول الناقدة التي تصفي الأفكار وتميز غثها من سمينها هي مسئوليتنا جميعاً كأسر ومحاضن للتربية.

إننا نجني كثيراً على شبابنا وخاصة عند طرح الأسئلة غير التقليدية سواء في المدارس أو الجامعات ، لذا يضطر هذا الشاب السائل أو الباحث عن الإجابات لأسئلة تؤرقه إلى طرحها على الشبكة العنكبوتية وهنا تبدأ الرحلة إلى المجهول حيث أنك لا تدري كمعني بأمر هذا الشاب عن ماهية هذه المعلومات ومصدرها وما الذي ستفضي إليه بعد ذلك.
والسبب هو قمع الأسئلة في صدور الشباب وعدم إتاحة الفرصة لهم لإشباع نهم المعرفة لديهم ومحاورتهم بالتي هي أحسن.

هناك من المجموعات والمنظمات المشبوهة على “النت” تتحين الفرص لاصطياد هؤلاء بشبكة من التصورات والأفكار المناسبة لكل سن وتدس السم في العسل حتى إذا استوى الشاب على سوقه الفكري المأمول منهم ، زج به كوقود لمعارك تدور بين هؤلاء يكون هو أول وأكبر الخاسرين فيها ثم أسرته ومجتمعه.
كثير من الشباب محدود العلم ، قليل الخبرة يسهل تجنيده ضد أمته ومجتمعه ، وللأسف ينجرف في هذا المنزلق الخطير فيكفرهم ويستحل دماءهم.

الذي أوصل كثير من الشباب إلى هذا الحد الخطر في الجرأة على الدماء المعصومة هو القمع الفكري لشاب فقد ثقته في الحصول على متنفس يبث من خلاله أفكاره وأسئلته.

إنني أتساءل عن دور مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي بدا خافتاً وهو أقرب إلى الانكفاء على نفسه بدلاً من عقد الحوارات وورش العمل في طول البلاد وعرضها والتنازل عن النخبوية في الاختيار والطرح والاقتراب من كافة فئات الشباب وطرح كل الموضوعات على طاولة الحوار وفي الهواء الطلق حتى لا يتسلل إلينا المسموم من الأفكار.

أما الإعلام فهو طامة كبرى فندرة البرامج الحوارية والتركيز على الهابط من البرامج التي تسمى زوراً بالترفيهية للحصول على نسب المشاهدة التي ترضي غرور المعلنين وأخرى تثير الكامن في النفوس شهوة وشبهة فحدث ولا حرج.

ليتنازل العلماء في حلقهم والمعلمون في مدارسهم والمحاضرون في جامعاتهم ويساهمون في نشر ثقافة الحوار مع طلابهم دون قمع وتقريع ، فنحن أحفاد من أثروا العالم بأسره بأدبيات الحوار وتقبل النقاش مهما كان موضوعه، ونحن أصحاب منهج لا يخشى البحث.

لنقترب أكثر منهم ونحاورهم ونصغي لهم ونبث ثقافة الحوار واحترام المخالفين ولنرفق بهم فالرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.

والله إنها عقول جبارة تبني مجد أمة لكنها إن تركت إهمالاً وتجاهلاً ستجد من يستأجرها ويعرض فيها ما يريد وبأبخس الأثمان! .. فاللهم أكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وردنا إليك رداً جميلا.

محمد بن سعيد الصحفي – الكلية التقنية بجدة

 

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “عقول للإيجار

المتاهه

مقال في قمة الروعه الله يزيدك علم في الدارين ويرحم والديك
اللهم أكفنا شرهم

خالد الرفاعي

كلمات أصابت كبد الحقيقة

بارك الله فيك وفيما كتبت يمينك ..

أستاذي الفاضل

ا٠د فيصل العتيبي

انار الله بصيرة الكاتب الكبير كلام في الصميم وانا اتفق معه في ما سار له الكاتب في فكره النافذ

وأرد بن شاكر الصحفي

ماشاء الله تبارك الله مقال جميل ومفيد وفقك الله أبا احمد وكل عام وانتم بخير وبصحة وسلامة يارب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *