أريد في هذه الفترة من حياتي أن أسجد لله وأتبتل له تبتيلا ، وأريد أن أحمده حمدا كثيرا جزيلاً ، وأريد أن أشكره بالسجود له طويلا طويلا ، كم أود أن أحمده وأشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة وأفضاله الجمة الكريمة ، نِعَم أنعم علي بها لا تعد ولا تحصى ، ومِنن جاد لنا بها لا تنتهي ولا تخفى ، فلك الحمد ياربي حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ولك الحمد على كل حال ، لك الحمد حمدا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك وجزيل نعمائك وكثير نوالك .
لقد كنت في فترة مضت أبحث جاهداً عن كل ما ينقصني غير ملتفت إلى النعم التي أملكها وتحيط بي من كل جانب.
فنفسي الشرهة ، والشيطان عدوي اللدود ، ونقص العلم والإيمان الذي أعلمه من حالي ؛ يجعلوني في زاوية الجحود لنعم ربي لا أكاد أبارحها أبداً.
إن جنس الإنسان الذي قال عنه ربنا العظيم في كتابه الكريم بأنه كان ظلوما جهولا ، وقال عنه بأنه كان كنودا جزوعا هلوعا منوعا ؛ دائما ما ينسى نعم الله عليه ويأبى وبلا وعي منه إلا أن يسلط الضوء على الصعوبات والمعاناة التي تواجهه ، مع أنها مغمورة في بحار من النعم والأفضال ، وينظر بحرقة وألم لكل الأحلام والأمنيات التي يريدها ولم تحقق بعد ، مع أنها لا تساوي شيئا أمام ما تحقق له من المطالب والأحلام هذا كله وهو غير آبه بتلك النعم الكثيرة العظيمة التي يرفل فيها ، ويتنعم بها في كل وقت وحين ، فصدق الله العظيم حيث قال : ﴿إِنَّ الإِنسانَ لِرَبِّهِ لَكَنودٌ﴾ ، وقال جل من قائل ﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى :أَن رَآهُ استَغنى﴾.
ولكني ولله الحمد والمنة في هذه الفترة من عمري أصبحت لا أريد شيئاً ، سوى أن أرضي ربي وأن أكون عبداً شكوراً موفقا لشكر النعم المتتابعة ، والمنن المتلاحقة ، فإن زادني ربي عطاء أو حقق لي حلم فهو أهل للكرم والجود والإحسان والعطاء ، ويستحق مني كل الشكر والحمد والتبجيل والثناء ، وأنا العبد الضعيف المذنب المقصر كثير الخطايا والزلل.
إنني في هذه اللحظة من حياتي أستشعر كل النعم الصغيرة قبل الكبيرة ، أستشعر لقمة هنية تأتي على جوع فتذهبه ، وأستشعر شربة باردة هنية تأتي على ضمأ فتطفئه ، أستشعر نعمة العائلة الطيبة المحبة ، أستشعر نعمة وجود الوالدين ، ودفء العيش معهم ، والنهل من حنانهم المستمر ودعاءهم المتواصل ، أستشعر نعمة البيت الذي يأويني والوطن الذي يحويني والخير الكثير الذي يغمرني .
يصعب علي أن أعبر عما في داخلي من الشكر والامتنان والحمد والعرفان فكيف لي أن أشكر نعمة الإسلام والهداية أو نعمة الصحة والعافية أو نعمة النظر أو نعمة السمع وكيف لي أن أشكر الله على قلب ينبض وهواء أتنفسه يدخل ويخرج بكل يسر وسهولة والكثير الكثير الذي من النعم التي أعلمها ولا أستطيع أن أحصيها ، والكثير الكثير من النعم التي أجهلها ولا أقدر أن أحويها ؛ فيارب لك الحمد والشكر على كل شيء منحتنيه بفضل منك ولم أكن أهل له ، ويارب إني سائلك أن تعينني على ذكرك وشكرك ما دمت حياً فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال ، اللهّم لك الحمد على العافية ولك الحمد على كل نعمة أنعمتَ بها علينا في قديم أو حديث أو خاصة أو عامة أو سرٍّ أو علانية.
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب