‏وحدة الصف واجتماع الكلمة

لا يعرف قدر النور حقاً إلا من عاش في الظلمات ثم نجّاه الله منها، ومما امتن الله به على هذه البلاد اجتماعها بعد فرقة، ووحدة صفها بعد تنازع، وأمانها وأمنها بعد ترويع واقتتال، ومن عاش في ظلمات الفُرقة أو سمع بها قبل التوحيد على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، الذي أعانه الله على جمع الكلمة وتوحيد الصف وتأمين السُبل؛ فهم خطورة ما أقول، وعلم حقاً نعمة الاجتماع على إمام واحد، وعلى راية واحدة هي لا إله إلا الله، جعلها الملك المؤسس رمزاً وبيرقاً وشعاراً ودثاراً لوطننا ومملكتنا، فالحمد لله على ذلك حمداً كثيراً، فقد كان الناس في تنازع واختلاف، يُغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً، لا يأمن المصلي أن يذهب إلى مسجده، ولا البائع في تجارته، ولا المسافر في رحلته، ولخطورة التنازع وسوء عاقبة الفرقة نجد أن القرآن الكريم حذر من ذلك تحذيراً شديداً في آيات كثيرة، فمن غايات إنزال القرآن على نبينا ﷺ إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فقد أخرج الله بآيات القرآن أهل الإيمان من ظلمات الفرقة والتنازع والاختلاف، إلى نور الوحدة والاجتماع والائتلاف.

‏ومن تدبر القرآن علم أن من أعظم ما امتنّ به الكريم المنان على نبينا ﷺ تأليف القلوب، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة، تأمل قول الله تعالى في سورة الأنفال: { وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم } [سورة الأنفال:63] في الآية دلالة على أن تأليف القلوب في المجتمع المسلم على الحق والخير وعلى إمام واحد على كتاب الله وسنة نبيه نعمة عظيمة من أجلّ النعم التي يمنُّ الله بها على عباده، وأنه لا يقدر على ذلك إلا الله العزيز الحكيم.

‏قال السعدي رحمه الله: ” ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم”.

‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” متى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب “.

‏فالحمد الله على نعمة تأليف القلوب في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية، فقد جمعنا الله على دين واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد، وإله واحد، ولغة واحدة، وإمام واحد، وراية واحدة هي: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فنسأل الله أن يحفظ علينا نعمته، وأن يرزقنا شكرها واستعمالها في مرضاته.

د. سعود بن خالد

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *