هذا مقال من أجل الله ولله وفي الله ثم للتاريخ ولأمانة القلم الذي منحنا الله إياه معشر الكتاب…
يقول الله تعالى في محكم التنزيل ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
نعم إن من أرقى العلاقات وآكدها بين البشر إن لم تكن أرقاها على الإطلاق علاقة الأبناء بوالديهم فكل علاقة ربما يطرأ عليها التغيير والزوال مع تعاقب الأيام وتقلباتها غير علاقة الأبناء بوالديهم فلا يمكن مهما بلغ الخلاف ومهما طرأت التغيرات ، فيجب أن لا تزول وفي زماننا هذا زمن طغيان المادة والمنفعة أُحذر الأبناء كل الحذر أن تدخل المصالح في علاقاتهم بوالديهم فهم بعد الله سبب وجودهم وكم عانوا في تربيتهم فكانوا والأبناء صغار يحرمون أنفسهم في سبيل راحتهم يعانون أشد المعاناة في توفير سبل الراحة ، يسهرون الليل لينام الأبناء في دعة وسكون وراحة يعاني الأب التعب والعمل والجهد وربما يتعرض للأذى في سبيل توفير اللقمة الحلال لأبنائه ، فكم من آباء توفوا وهم على رأس عمل ليقي أبنائه العوز والفاقة والفقر، الآباء لا يظهرون التزمر والشكوى برغم أنه في بعض الأحيان يبللون وساداتهم بدموع حرى وقلوب ملؤها الهموم والأحزان في الليل وتحسبهم نيام ويعلم الله بما في قلوبهم من حسرات ربما لعقوق أحد الأبناء وتعامله القاسي الخالي من الرحمة لأحد والديه أو لكليهما وربما تجد بعض الأبناء يُحمِّل أباه نتيجة قلة ما في اليد وأنه هو السبب في معاناتهم وهذا ظلم للأب وتجني عليه ويعلم الله أن الأب قلبه يتقطع من داخله حين لا يستطيع أن يوفر لأبنائه ما يطمحون اليه وقد حاول.
والوالدان حين يصيبهم الكبر يحتاجون لكلمة عطف وحنان من أبنائهم أبداً لا يطلبون رداً للجميل فإن ظن الأبناء ذلك فقد ظلموا ففي سبيل الله ما عملوا ولكن هم أيضاً لهم أحاسيس ومشاعر يتمنون من أبنائهم أن يراعوها بصمت من غير شكوى يكتمون في دواخلهم وقرارات ضمائرهم ما يعانون لكي لا يحس الأبناء بمعاناتهم ويعلم الله أنها معاناة تنوء بحملها الجبال الراسيات هم يحتاجون لإبتسامة يرونها على أفواه ووجوه الأبناء لكي يشعروا بالسكينة والطمأنينة والسلام وإياكم أيها الأبناء أن يستجدي والديكم من الطاعة والخدمة فسارعوا لتلبية احتياجاتهم من قبل أن يطلبوا ذلك، تفقدوهم واسألوا عنهم وسارعوا الى رضاهم فإن رضا الوالدين مقرون برضا الله سبحانه وتعالى لا تتبرموا من طلباتهم فإنهم كانوا عند صغركم وأنتم لا تجيدون الكلام ينزعون اللقمة من أفواههم لتنالوها أنتم واعلموا يا معشر الأبناء أن حق الوالدين عظيم عند الله .
إن بلوغ الستين وقبل ذلك وبعده صعب على الوالدين إن لم تتداركهما رحمة الله…
فيا معشر الأبناء رفقاً بتلك التي أضحت هياكل عظمية التي تسمى الأب أو الأم بسبب الحهد الذي بذلاه في تربيتكم تزبية تليق بالآدميين ، وكل ما أخشاه أن يدفع الأبناء ثمن معاناة الوالدين ونعوذ بالله أن يدفعوا ذلك الثمن رفقاً وشفقةً وحدباً عليهم فالقضية برمتها سلف ودين كما يقال وليعلم الأبناء أنهم سيمرون بكل تلك المراحل التي مر بها الوالدين وكل المعاناة التي لقيها الوالدان والأب أو الأم حتى وان كانا طريحي الفراش فهما مصدر البركة من الله في بيوت الأبناء حتى وإن لم ينطقوا ببنت شفه فقلوبهم تلهج بالليل والنهار بالدعوات للأبناء نعم أيها الأبناء إن وجود أبويكم لهي سر نجاحكم وفلاحكم فلا تحرموا أنفسكم من بركتهما ولا تحملوهما ما لا يطاق فإن أصابكم الخير فمن الله بسبب إطاعتكم لهما وإن أصابكم غير ذلك ففتشوا في أنفسكم علكم تجدون سبب ذلك فربما يكون من عصيان لأحد الوالدين وإيثار أحدهما في أنفسكم على الآخر فعندما ذكر الله الوالدين ذكرهما في القرآن الكريم بصيغة المثنى ولم يفرد كلمة الوالدين إلا حين الحمل للأم وهو شيء عظيم.
هذه نصيحة صغتها كما بدأت بها المقال أختم بها لله ثم للتاريخ وللأمانة أمانة القلم فما أعظمها من أمانة وعملاً بقول الله تعالى:- {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
أسأل الله أن يكتب لنا ولكم الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل كل حرف نسطرهُ يكون لله وفي الله ومن أجل الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، نفعنا الله بما نقول فإن أصبت فمن الله التوفيق والسداد وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ..
حفظ الله الجميع….
يقول احد الشعراء وما أروع ما قال… مِن أروع ما قيل في رثاءِ الأبِ وأجمَله:-
لو أمطرتْ ذهباً مِنْ بَعدِ ما ذَهبا
لا شيء يَعدِلُ في هذا الوجودِ أبا
**********
مازِلتُ في حِجرِهِ طِفلاً يُلاعبني
تزدادُ بَسمتُهُ لي كُلَّما تَعِبا
**********
لم يَحنِ ظهرَ أبي ما كانَ يَحمِلُهُ
لكنْ ليَحمَلني مِنْ أجليَ انحَدَبا
**********
وكُنتُ أحجِبُ عن نفسي مَطالبها
فكانَ يَكشِفُ عمَّا أشتَهي الحُجُبا
**********
أغفو وأُمنيتي سِرٌّ ينامُ معي
أصحو وإذ بأبي ما رُمتُ قَد جَلَبا
**********
كَفَّاهُ غيمٌ وما غيمٌ كَكَفِّ أبي
لم أطلبِ الغيثَ إلا منهما انسَكَبا
**********
يا ليتني الأرضُ تمشي فوقها فأرى
مِنْ تَحتِ نَعلِكَ أنِّي أبلُغُ الشُهُبا
**********
مهما كَتبتُ بهِ شِعراً فإنَّ أبي
في القَدرِ فوقَ الذي في الشِعرِ قد كُتِبا
**********
يا مَنْ لديكَ أبٌ أهمَلتَ طاعَتهُ
لا تنتظِر طاعَةً إنْ صِرتَ أنتَ أبا
**********
فالبِرُّ قَرضٌ إذا أقرَضتَهُ لأبٍ
يُوفيكَهُ ولدٌ والبِرُّ ما ذَهَبا
لا تنتظِر مَوتهُ صِلْ في الحياةِ أباً لا يَنفعُ الدَمعُ فوقَ القَبرِ إنْ سُكِبا….
رَحِم الله والديّ ووالديكم وجميع أموات المُسلمين…
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب