بسم الله الرحمن الرحيم
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. الحديث راوه البخاري في صحيحه .
هذا الحديث حقيقة يدخل الرعب والخوف في قلب الإنسان المؤمن عندما يعلم أن في ذلك اليوم لا يكون الدفع بالدينار أو الدرهم ولا آية عملة مما يتعاطون بها أهل الدنيا ولكن العملة يومئذ هي الحسنات والسيئات فيا للهول ربي سلم سلم.
إذاً لا حجة لمماطل في حقوق الناس ولا لظالم قد ولغ في الحقوق حتى أذنيه نسـأل الله العفو والسلامة ومما نرى في واقعنا اليوم من أناس كأن التوفيق جانبهم والصواب تنحى عن طريقهم فهم مستعدون لأن يخوضوا في أعراض الناس وفي أكل لأموالهم بدون وجه حق وبكل استهانة والأدهى من ذلك والأمر عندما تجد شخصاً قد تجاوز كل الخطوط الحمراء التي يجب على المرء أن يكون فطناً أريباً فيتوقف عندها خشية من الله القادر نعم تجد من بعض الأشخاص ممن هو مستعد أن ينطق بكلمة يعلم الله أنها مهلكة ومهلكة جداً عندما يقول أنا مستعد أن اتحمل ذلك أمام الله أو يقول نعم يوم القيامة سأعطيك حقك بكل استخفاف وجرأة ونسي هذا الجاهل المستهتر انه يقف في يوم تشيب منه ناصية الولدان فكم عرفنا من أناس تحملوا وحملوا فوق كواهلهم من هذه الأعباء ورحلوا والله أعلم بما رحلوا وأعلم بهم ونحن في هذه الحياة علينا أن نكون كما أمرنا الله تعالى في قوله ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، إذا من هذا المنطلق ومن هذه الوصية فعلينا أن ننبه بعضنا ونتواصى بالحق فالمؤمن مرآة أخيه يرى من خلالها نفسه ويرى من خلاله أخطائه ..كيف لشخص أن ينام ملأ عينيه وجفنيه في فراشه الوثير وهو يعلم أن خلفه طالب دين من مال أو عرض أو غير ذلك ألا يخشى هذا الشخص أن لا يستيقظ إلا حين السؤال في القبر وماذا يقول وقتها ربي (ارجعون) وهو يعلم علم اليقين بل حق اليقين بل عين اليقين أن لا رجعة من تلك الرحلة وأن اللقاء في عرصات القيامة إن التفكير في هذا الموقف يشعر الإنسان بالرهبة والهلع وكم وكم تحت التراب ممن مات بالعهد والقسم والأيمان الباطلة الغموس التي ضاعت على اثرها حقوق كثيرة لا لشيء سوى طمع الدنيا والتسويف وضمان أن المطالب أضعف منه حجة أو لا يستطيع الشكوى الا لله القوي الغالب وأهونهم من يقول غداً أعطيك وكأنه ضمن الغد والغد في علم الله علام الغيوب….
ولا يملك الضعيف المغلوب على أمره الا أن يتمثل :-
صبرنا الا أن مل من صبرنا الصبر
وقلنا غدا أو بعده ينجلي الأمر
فكان غدٌ عمراً قد امتد حبله
وقد ينطوي في جوف هذا الغد الدهر.
وقد صدق أمير الشعراء احمد شوقي رحمه الله تعالى حين قال :-
كم في التراب إذا فتّشت عن رجل
من مات بالعهد أو من مات بالقسم.
ايه والله كم وكم وكم اذا نطق هذا التراب لأخبر بالعجب العجاب…
كم رأينا من أناس في هذه القنوات أو ما تسمى بالشبكة العنكبوتية فكم فضحت من اخلاق رجال كنا نظنهم من الأخيار وكم تحمل الناس من ذمم وخوض في الأعراض بدون وجه حق وبأسهل الطرق يخط الواحد منهم ويكتب على لوحة المفاتيح وبيديه ما يهوي به في النار سبعين خريفا وهو يضحك ثم يذهب بكل بساطة لينام وقد ترك خلفه ايادي مرفوعة تجأر الى الله القوي العزيز أن يأخذ حقها بقدرته وجبروته ثم يصحو في اليوم الثاني ويزداد تمادياً لما يرى من حلم الله عليه ولو اجال بصره قليلا في كتاب الله لقرأ (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) نعم تسمع الخوض في الأعراض وشتم الآباء والأمهات والأخوات بكل بساطة لا لشىء سوي لإختلاف الآراء ربما يكون في أمر تافه أو لعبة أو مزحة فإذا بنا نرى ونسمع كل ما يخدش الحياء ويريق دماء الشرف والطعن في العفة ولا حول ولا قوة الا بالله..
يقول الله تعالى (أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فاللهم ردنا اليك ردا جميلا وتحمل عنا وعن كل مسلم عليه دين وأنت تعلم أنه يريد قضائه ولكن لم يستطع فتحمله عنا وعنهم يا ارحم الرحمين وتجاوز عن اخطائنا وزلاتنا يكريم.
إبراهيم يحيى ابو ليلى
مقالات سابقة للكاتب