بين الاعتقاد والاستدلال

هنا .. قاعدة ذهبية .. تقول :
‏” لا تعتقد قبل أن تستدل .. واستدل ‏قبل أن تعتقد ” لأن الاعتقاد قبل الاستدلال .. سيكون سببا في نفي ما يمكن ان يكون حقيقة وصوابا .. او أن يكون أقرب إلى الحق والصواب .. !!

‏في مجمل الأمور الظنية .. والتي لا ترقى إلى ان تكون ( قطعية الثبوت ) فإن العقل والنضج والحكمة هو أن يكون العقل منفتحا ومرنا لمناقشة ‏ومحاورة القضايا والاستدلالات حتى يتوصل إلى الحقائق والبراهين ليصل ‏إلى إثبات ما يريد .. !!

وهذا المسلك والمنهج هو عين الصواب الذي دلت عليه الأدلة شرعا وعقلا ، ‏ولو ان عقولنا دائما ما تجزم بصحة ما تعتقد .. فلن يكون هناك حاجة لتداول ‏وتناول القضايا بالمناقشة والمحاورة ‏.. بل حتى التفكير .. !! وهذه إشكالية ‏( أي القفز إلى النتائج ) تجدها عند ‏المتسرعين .. ومن لديهم ضعف في ‏تبني المنهجية العلمية في البحث والتدقيق .. !!

‏ونفسيا .. حينما يدخل الإنسان في نقاش قضية ( ليست محسومة عقلا ونقلا وعلما على الدوام ) فإن عقله ‏( وظيفيا ) لن يتقبل ما يمكن أن يدحض ‏ما هو عليه .. !! لأنه أغلق الاستعداد لديه للتداول العلمي الذي يؤسس له ‏كتاب ربنا ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول ( الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها ).

‏والعقل في الأصل .. وظيفته ( الكشف) ‏عن الأحكام وليس ( إنشاؤها ) لأنه لو ‏كان منشئا للأحكام لما كان للتفكير والتأمل والتفكر والتدبر ومعرفة المآلات دور في صياغة الأحكام وتحرير المواقف.

والشخصية التي تربي نفسها على ‏الكشف والاكتشاف هي التي عادة ما ترتقي بالعلم وتغذي الساحة العلمية بالجديد والتجديد .. وتلك التي تصر على ( الجزم ) بأن ما لديها أحق ان يتبع ‏فهي تجني على تصورها وتطورها.

وما أجمل ما كان يردده العلامة الجهبذ ‏الإمام مالك رحمه الله بكل ما معه من مفاتيح العلوم .. كان يقول حينما يُسأل ويجيب (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ). “جامع بيان العلم وفضله” (2/146 ).

‏(وكلما زاد علم الإنسان .. زاد حلمه) وتأمله .. وكلما تلوث بهوى او شهوة ‏أو انتصار للذات زاد جهله .. !!

‏وهناك من الناس من شعاره ( إن نقول إلا حقا .. ومن نحن بمخطئين ) .. !!

‏وكأنه معصوم ومستثنى من قاعدة ‏( كل ابن آدم خطاء ) .. !!

‏والمعتقدون دوما صحة ما يقولون كأنهم ‏لا يحتاجون للدعاء ( اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك .. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).

‏اختم بما بدأت به ..
‏( لا تعتقد قبل أن تستدل ) ..!!

أ.د خالد الشريدة

جامعة القصيم

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *