اليوم يغادرنا بدون استئذان شخص صاحب خلق رفيع وعظيم ، شهد له الجميع بأنه مصدر للسعادة والفرح للصغير قبل الكبير. دائماً وفي كل المناسبات والظروف تجده صاحب وجهٍ بشوش وابتسامةٍ مشرقةٍ يهوِّن علينا عبء الحياة بكلمة جميلة ، أو بطُرفة لطيفة أو بتعليق جميل يجعلنا وبكل بساطة نبتسم ونضحك من أعماق قلوبنا.
هذا الفقيد هو عمي الغالي أبو ماجد رحمه الله.
لم تكن حياة أبي ماجد مترفةً وظروفه سهلة حتى يعتقد البعض أن الراحة وسهولة العيش هي من ولّدت هذا الشخص الأيقونةَ في صنع الابتسامة والفرح، لكل من يعرفه أو لا يعرفه. بل كانت حياته مليئة بالصعوبات والكفاح تحديات صعبة خاضها عمي أبو ماجد طيلة حياته إلى أن غادر هذه الحياة دون أن يودعنا.
من السهل جداً أن تكون متجهماً وتنظر بشزرٍ لمن يصادفك وأن تكون صاحب خلق سيء وغليظ القول والفعل وأن تدخل في حروب ومعارك مع من تواجهه في دروب الحياة ، ولكن الصعوبة كل الصعوبة وليس بالمستحيل طبعاً أن تحمل في صدرك قلباً طاهراً نظيفاً متسامحاً مع الجميع ، حيث أنّ سلامة القلب ونقاؤه عطية يمتن الله بها على الخاصة من خلقه الذين يصطفيهم ويكون من تبعات ذلك قبولهم لدى الآخرين، ومن الصعب جداً أن تنزف جراحك دماً نتيجة تحديات وآلام الحياة وتظهر للآخرين المحبة والسعادة وتكون مصدراً للحب والبهجة للجميع.
ليس واحداً أو إثنين أو بعضاً من الناس شهدوا لعمي أبي ماجد بدماثة الخلق وبشاشة الوجه وطلاقة المحيا بل الجميع يشهد بتلك الصفات والسجايا العظيمة والخلال الحميدة لأبي ماجد رحمه الله.
تبقى الحياة مهما طالت قصيرة للشخص المؤمن الحكيم ولا يبقى إلا الخير والأثر والسمعة الطيبة التي يخلفها الإنسان خلفه، وفي الحديث (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
لا أدري كيف أوفي لأبي ماجد حقه وكيف لكلماتي البسيطة القاصرة أن تصفه وترتقي لمقامه، وتصف مكارم الأخلاق التي عاش معها وعشنا بها معه، والآن نعجز أن نلقى البديل الذي يعوضنا ويسد هذا الفراغ الكبير الذي ترك ثغوره وأحدث شغورا في وجدان محبيه وبقي المشهد صامتاً على صورة ثابتةٍ لابتسامة جميلة لأبي ماجد نتلقاها في رسائلنا وفي قلوبنا تعلن رحيله ووداعه الحياة.
الفقد كبير وموجع والحزن عميق ومنهك ولا نقول إلا ما يُرضي الربَّ( إنا لله وإنا إليه راجعون).
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا ماجد لمحزونون.
هذه سنة الحياة لا يبقى أحد، الجميع ينتظر دوره ليجمع حقائبه ويسافر سفرته الأخيرة نحو العالم الأخروي تاركاً خلفه كل شيء ولا يبقى متشبثاً به سوى عمله الصالح الذي يدخل معه قبره ويرجع عنه أمواله وأقاربه وتبقى سيرته الطيبة والأثر الجميل والمعروف الذي صنعه وكل بِرٍّ قدمه في صفحة أعماله، وفي الحديث( أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).
مقالة قصيرة كتبتها في من كان مفتاح السعادة في عالمنا الصغير أردُّ ولو شيئا بسيطاً من كل معاني الحب والفرح والابتسامة والسرور الذي كان عبيره الفوّاح برائحة العطر الزاكية للفقيد أبي ماجد يُطيبنا به من جراء تعاملنا معه فالصاحب الصالح إما أن يحذيك أو تجد منه ريحا طيبا، والمعنى في الحديث وإن كان مجازا فهو أيضا معنوي أحيانا.
هذه المقالة هي بالإضافة إلى ذكر محاسن عمي أبي ماجد إلا أنها دعوة للجميع للعيش في هذه الحياة بصفاء القلب ، دعوة للمتخاصمين على حطام الدنيا أن يعلنوا الغفران والتسامح ويصبحوا إخوةً متحابين يساند بعضهم بعضا ويشعر بعضهم بآلام بعض ويكون الجميع كالجسد الواحد.
دعوة إلى نشر الحب والسلام والسعادة في كل الظروف وترك الأثر الجميل الذي يبقى ولا ينسى فكلنا على خطى أبي ماجد راحلون .. راحلون وهذه هي بعضٌ من رسائل أبا مجد التي خلّفها للجميع من بعده ليتأسّوا به ويسيروا على نهجه.
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب