يشتد الزحام هذه الأيام بالمطارات و يعلو أزيز الطائرات مابين غاديات و رائحات تجوب بلدان الدنيا .. الزحام خانق و المطارات مرتبكة .. الكل متأهب و مترقب و صوت المذيع في المطار لا يكاد يتوقف .. رحلات شرقاً و غرباً؛، كثير من هؤلاء استدان ليسافر أو باع شيئاً من أملاكه ليلحق بالركب المسافر على الطائر الميمون .. يسكنون الفنادق و الشقق بأسعار أشد سخونة من الجو الذي هربوا منه .. يدفعون الضرائب و يتقيدون بنظام المرور .
لقد خرجنا من دارنا و بلادنا زرافات و وحدانا ننشد البرد في الحر و نستعجل الشتاء بالصيف ، و إن سألنا سائل عن وجهتنا نجيبه بأننا نجوب الأرض لاكتشاف الجديد بالقارة الأوروبية أو نتعرف على العادات و التقاليد الشرقية .. و لا نفوت المطاعم الهندية و الإيطالية و نتزود من الحلوى السويسرية و العطور الباريسية .
و نحن مع ذلك بالأنظمة ملتزمين و للأوضاع متفهمين و بالقوانين متمسكين و على الصراط المستقيم سائرين؛ و ما أن تحط رحالنا بمدينة ما إلا و لتلك الدولة شاكرين و بنظامها معجبين و لضرائبها دافعين بنفس طيبة راضية مع إكرامية بيد سخية منفقين ، و على حين غرة ينفذ المال في ليال قليلة و يحين وقت الرحيل.
أزف الزمان و حان وقت حزم الحقائب و العودة للبيت الذي يحمية ثلة من الجنود عند حدنا الجنوبي و الذين لايكاد يغمض لهم جفن ، لا يريدون منّا سوى الدعاء بظهر الغيب بالنصر أو الشهادة .. البيت الذي رغم شدّة حرارته هو الأكثر أمناً و آماناً من كل بلاد الدنيا ، الذي يعطي بسخاء عطاء الذي لا يخشى فقراً .
جميل لو تذكرنا أن لنا أبناء بالحدود مرابطين يدافعون عن الوطن و المواطنين ، لنعود و نجده ينعم بالأمن ، كـ يوم رحيلنا عنه ، كانوا هم بعد الله صمام الأمان ، لكننا نسينا في غدواتنا أن نذكرهم بقليل دعاء و توسل و رجاء للمولى أن يكون النصر لهم .
عدنا إليه متذمرين .. مستائين .. شاكين من خدماته و غير راضين .. منتقدين و منكرين منهاجه غير آبهين بنعمه و خيراته .. ضاربين بنظامه عرض الحائط .. متسائلين أين خدماته .. ناسين أو متناسين أنه لولا الله ثم هذا الوطن و خيراته لما تجاوزنا حدوده و لا شددنا الرحال إلى أصقاع الأرض نبحث عن حدائق و أنهاراً و جنات ذات ألوان و بهجة ..
عجباً لنا كيف عُميت أعيننا عن عيوب و مثالب غيرنا و تفتحت على بلادنا و ديارنا .. جميلٌ احترامنا و التزامنا بآداب و نظم بلاد زرناها ليس لنا بها مقام .. و وآ أسفا علينا كيف كسرنا نظام و تقاليد بلادنا التي على أرضها نشأنا و بهوائها تنفسنا و بخيراتها تنعمنا و أسرفنا ، ليتنا على الأقل كما كنا هناك نكون هنا .
و حين عدنا سُئلنا : ما فائدة سفركم و ماذا كنتم تفعلون ، قلنا كنا في صحبة ماجد .. و علم و آداب .. و تفريج هم .. و اكتساب معيشة .
أيها العائدون لبيتهم الكبير .. هل أنتم على العهد محافظون ؟ هل تنوون احترام النظام كما كُنتُم هناك ؟ و هل تفكرون بأن تكون رحلتكم القادمة للرياض أو الشرقية أو أبها مثلاً ؟ و هل تفكرون أن تكونوا أكثر حكمة في إنفاقكم ؟! ..
أيها .. المسافرون المغادرون … أنتم .. المسافرون القادمون .
أحمد عناية الله الصحفي
مقالات سابقة للكاتب