الإعتبار بتصرم الأعوام والأعمار

الحمد لله منشئ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

والصلاة والسلام على نبينا محمد عدد ماذكره الذاكرون الأبرار، وعدد ما تعاقب الليل والنهار وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمابعد:

فها نحن قد ودعنا عامًا قد انقضى، وجزءًا من العمر قد مضى، عاما تولَّت لحظاته، وطُويت صحائف صفحاته، تنسمنا شذى افراحه وتجرعنا صبر اتراحه ، مودِّعين ومودِعين ما أودعنا فيه، فبقيت أرباحُه وتبعاتُه، فيا سعادة المتَّقِي يوم حصاد الارباح المنجيات، ويا خَسارة.الشقي يوم تجرع الحسرات، قال تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [ النبأ: ٤٠] .

فقد ذهبت لذَّة المعصية وحَلاوتها، وبقيتْ تبعتها ومَرارَتُها، وذهَب نصب العِبادة ووصبها، وبقي عند الله ثوابُها من الحسنى والزيادة.

تَفنى اللَذاذَةُ مِمَّن نالَ صَفوَتَها
مِنَ الحَرامِ وَيَبقى الإِثمُ وَالعارُ

والأيامُ إنِّما هي منازلٌ تُقرب إلى الآخرةِ، وما مضى من العمر لا يعود. وماتصرم من اللحظات مفقود غير مردود.

وما هذه الأيامُ إلا مراحلُ
يُحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدًا

وأعجبُ شيءٍ لو تأمَّلت أنها
منازلُ تُطوى والمسافرُ قاعدُ

والله -تعالى- جعل الليل والنهار خزائن للأعمال، ومراحل للآجال، إذا ذهب أحدهما خلفه الآخر، لإنهاض همم العاملين إلى الخيرات، وتنشيطهم على الطاعات، فمن فاته الورد بالليل استدركه بالنهار، ومن فاته بالنهار استدركه بالليل، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: ٦٢].

تَرَحَّل مِنَ الدُنيا بِزادٍ مِنَ التُقى
فَعُمرُكَ أَيّامٌ تُعَدُّ قَلائِلُ

فينبغي ونحن في مطلع عام جديد أن ندرك أن تصرم الليالي والأيام والأعوام هو عين تصرم الأعمار، وعلى هذا فالواجب علينا أن نعتبر بسنيننا الماضية فنحاسب أنفسنا، ونتدارك ما فات بالعمل المثمر النافع لآخرتنا ودنيانا، وأن لا نكون صمًّا بكمًا تمر علينا الحوادث وتتصرم أمامنا الأعوام والأيام من غير أن ندرك لها معنى، أو نتعظ بها، فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعدَّ لِغده. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).[ الحشر: ١٨]

قيل لابنِ يزيد الرَّقَاشِي -رحمه الله-: أكان أبوك يتمثلُ مِنَ الشعرِ شيئًا؟ قال: كان يتمثلُ:

إنَّا لَنَفْرحُ بالأيامِ نقطعُها
وكلُّ يومٍ مَضى يُدْني مِن الأجَلِ

فالعمر أنفاس معدودة وشِيكة النَّفاد، سريعة الفوات والابتعاد، ولحظات معدودة لاعوض لها، لأنها غير مردودة، وأنَّ كلَّ امرئ على ما قدَّم قادِم، وعلى ما خلَّف نادِم.

دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائِلةٌ لهُ
إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثوانِي

فارفع لنفسكِ بعدَ موتكَ ذكرها
فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني

هذا ما تيسر إيراده وتوفر إعداده
وأعان الله على ذكره

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم اجعل هذا العام عام خير وبركة ورخاء ونماء وأمن وأمان واستقرار ورفعة وسؤدد، ونصر للإسلام والمسلمين.

وبشرنا اللهم بما يسرُنا، وأدفع عنا ما يضرنا، ولا تغير أحوالنا إلا للأفضل. وأكفنا شر الفتن، ماظهر منها ومابطن، واحفظ أوطاننا وولاة أمورنا وسائر البلاد والعباد.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حسن مهدي قاسم الريمي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الإعتبار بتصرم الأعوام والأعمار

ناصراليوسفي

بارك الله فيك ونفع بك

عيد

كلام جميل ودرر
كما عودنا الدكتور حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *