هناك قصة رمزية مشهورة فحواها أن نمرًا وحمارًا تجادلا فيما هو لون العشب فالنمر يقول إن العشب أخضر والحمار- أكرمكم الله – يقول بأن العشب أزرق، فتحاكما إلى الأسد فحكم الأسد على النمر بالسجن لمدة شهر وعندما تظلم بأنه على حق، قال له الأسد أعلم ذلك وإنما حكمت عليك لأنك أشغلت نفسك وأضعت وقتك ووقتي في موضوع تافه ومفروغ منه.
هذا ما يحدث أحيانًا ونسمع عنه أو نراه في أغلب وسائل التواصل الإجتماعي وبعض القنوات الفضائية من مجادلات ومناظرات وإضاعة وقت وبثوث أغلبها ليس لها أي فائدة دينية أو علمية أو أدبية تعود على القائم بها أو على المستمع أو المشاهد أو على جودة الحياة.
إن كل إنسان في هذه الحياة يريد أن تكون حياته أجود ما تكون، ولكي يصل إلى مراده لابد أن يُغذي حياته بالأجود من القول والعمل والعلم والتعلم ليحصل على ما يريد، ولهذا فعليه أن يقطف أحلى ما يصادفه ويتوافق مع رغباته من بستان الحياة الزاخر بالنافع المفيد وأن يُكرس وقته للجيد الراقي ويترفع عن سواقط الأمور.
فالجودة لها دعائم وأساسات وقواعد تحكمها، أولها العلم، والمعرفة، والثقة والأمانة والإخلاص لتصبح الحياة ذات معنى حقيقي يرتبط بإسمها ويصلها بالآخرة لنكسب في الدارين بإذن الله، وأن نرسم خطًا مستقيمًا واضحًا جليًا للأجيال القادمة بما يُجَوِّد حياتهم ويزيدهم حرصًا في المحافظة على ما ورثناه من آبائنا وأجدادنا من قيم دينية وإجتماعية وأخلاق وشهامة وعلم ومعرفة على الرغم من الظروف الصعبة التي عاشوا فيها.
خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه داوُد عليه السلام قائلًا كتوجيه رباني لإتقان عمله والمحافظة على وقته وإستخدامه في النافع المفيد، فقال سبحانه وتعالى (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، حيث كان داوُد عليه السلام يصنع الدروع فوجهه سبحانه وتعالى أن يُحْكم الصناعة فيجعل حلقات الدروع محكمة من حيث الوزن والمتانة وحجم الفتحات حتى تحمي من يلبسها وتكون في نفس الوقت خفيفة الوزن مرنة فلا تعيق حركته، إقتصادًا في إستخدام مدخلات الصناعة مع جودة وإتقان المُنْتج، وهنا يأتي دور العلم والمعرفة لإدارة الجودة بمعرفة نوع مادة الصُنع وطبيعتها وطريقة التعامل معها وأن يُتوج ذلك بالعمل الصالح لأن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه.
وفي مجال المعرفة أيضًا نجد أن التعمق في العلم والمعرفة يوصل إلى الجودة والثقة والإتقان في العمل والسرعة في التنفيذ، وأن لا يتوانى العالم والعارف بأن يبرز علمه ومعرفته دون أن يُطلب منه وذلك ليستفيد منه الآخرين دون النظر إلى الأجر أو مقداره، قال تعالى (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)، فهنا أبرز العالم نفسه وقدم علمه الذي يسره الله له ليستفيد منه نبي الله سليمان عليه السلام ويشكر ربه سبحانه وتعالى على ما سخره له.
وهذا نبي الله يوسف عليه السلام أبرز علمه في إدارة الجودة والزراعة والإمداد وإدارة المخزون فقال بنص القرآن الكريم (قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ) فكان أن حفظ الأموال وحقق الأمن الغذائي للناس والبلد الذي يعيش فيه لفترة أستمرت لسنوات بفضل الله ثم بحكمته في إستخدام علمه الذي يسره الله له ووفقه لإستخدامه في النافع المفيد.
وكذلك من إدارة الجودة الأمانة والإتقان والقدرة الجسدية والفكرية للقيام بالعمل على أكمل وجه، يقول سبحانه وتعالى على لسان إبنة نبي الله شعيب عليه السلام (قَالَتْ إِحْدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسْتَـْٔجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـْٔجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْأَمِينُ) ، فهنا التزكية أتت من خلال واقع رأته أمامها من قوة جسدية وفكرية استخدمها نبي الله موسى عليه السلام تطوعًا دون أن يُطلب منه لتقديم المساعدة لمن يحتاجها، وإتقان العمل وحسن الأدب في التخاطب والذي رشحه لنيل عمل أستمر فيه عشرة أعوام بإخلاص تام.
إن لدى كثير من الناس في وقتنا الحاضر الكثير من وقت الفراغ والذي من الأولى أن نستغله في الأشياء النافعة التي يعود نفعها علينا شخصيًا وعلى مجتمعنا ووطننا بالخير والفائدة مع وجود الصحة والشباب، فقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، فهي وصية منه صلى الله عليه وسلم بأن لا نهدر أوقاتنا فيما لا فائدة منه مع وجود الصحة الجسدية والنفسية ومتاح لدينا الكثير من الوقت، فعلينا أن نحسن إدارة وقتنا في التعلم، وأن نُعود أنفسنا على العمل النافع المفيد ونتقنه عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ).
نرى من خلال هذه الأمثلة أننا نحتاج إلى أن نُجود حياتنا بما يسره الله لنا من الأمن والأمان الذي نعيشه في بلادنا بحمد الله في ظل قيادة رشيدة حكيمة حفظها الله، ومع توفر كل وسائل التقنية الحديثة التي يسرها الله لنا وسهلت لنا الحصول على المعلومة والمعرفة والتعلم ونحن في بيوتنا من غير عناء كبير، فعلينا أن نسعى لنشر الصالح النافع المفيد والإبتعاد عن سفاسف الأمور.
على الرغم مما نتمتع به من تطور علمي ورقي ثقافي وحضاري في بلدنا الغالي إلا إننا نسعى بفضل الله ثم بتشجيع ولاة أمرنا حفظهم الله إلى الأفضل دائمًا، وما هذه المقالة إلا دعوة لبذل الجهد والوقت للإستفادة مما هو متوفر بين أيدينا لينشأ بيننا وبعدنا جيل قادر على مواجهة الحياة بهمة عالية ومعرفة وحكمة لتستمر حياتهم بما هو أفضل مما نعيشه الآن بإذن الله سبحانه وتعالى.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب