يحتاج الانسان في حياته إلى صديق وفيٌّ يبقى دائماً بجانبه ، وأجمل صديق ؛كتاب يكون برفقته للقراءة .
قال المتنبي:
“أعز مكان في الدنى سرج سابح
و خير جليس في الأنام كتاب”
فالقراءة أداة المعرفة الأولى التي تبني فكر الإنسان وقيمه وسلوكه، وإلا لما كانت هي الكلمة الأولى التي نزلت على خاتم الانبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال جلّ جلاله في كتابه : {اقْرَأْ}
وبالقراءة تنمو مدارك الإنسان، ويكتمل وعيه، وبها يتحصّن لمواجهة الجهل والخرافات ، ومن خلالها يعرف أخبار الماضي وما كان فيه ليتلمس منه المواعظ والعبر والدروس، وأيضاً يكتشف أحوال حاضره وما يدور حوله، ويستشرف مستقبله ويخطط له.
وقد حرص أهل العلم على القراءة وفني أعمارهم فيها ولا ادلّ على ذلك من قصة الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه “صيد الخاطر” حيث كان يحكي عن حاله فيقول :
(وإني أخبر عن حالي ، ما أشبع من مطالعة الكتب ، وإذا رأيتُ كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز ، ولو قلتُ إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعدُ في الطلب)
والقراءة حياة ودليل وعي وفهم وإدراك ، وهي بحر بلا شاطئ وعلمٌ بلا حدود ، ومن أكثر الوسائل التي توفر المتعة والفائدة ومن الهوايات الرائعة لكثرة فوائدها وهي الطريقة المثالية للتخلص من الجهل والتزوّد من العلم والثقافة ، والقراءة ليست مجرد تسلية ، بل هي أعلى وأسمى وهي طريق إلى الجنة لقوله ﷺ : “منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ “
وهذا الحديث يدل على فضل العلم والقراءة والترغيب فيه وشدة حاجة الناس إليه .
وللقراءة فوائدٌ عديدة منها :
انها تحفز العقل على العمل وتقلل من بعض الأمراض وتحافظ على بقاء الدماغ نشطًا وتزيد من قدرته على التركيز ، فالعقل عضَلَة تنفعِل وتزدهِر وتنمو بكثرة الاستِعمال، وتذبل وتضعف عند تركِ استعمالها، وقد قيل: إنَّ القرَّاء أقلُّ النَّاس إصابةً بالزَّهايمر؛ لأنَّ الذِّهن لديهم في حالة عمَل مستمرٍّ، فمستوى الانتِباه يكون حاضرًا حالَ القراءة .
قال المازني :
”إن فائدة القراءة كفائدة الطعام، والمرء يأكل ليصح بدنه، ولو أني نسيتُ اليوم ما أكلتُ في أمسي لما منع ذلك أن الفائدة قد حصلت، وأن جسمي انتفع بما طعمت، وكذلك العقل، يقرأ المرء ليستفيد علمًا ويقوي مداركه وينمي ملكاته، ولا يمنع حصول الفائدة أنه نسي ما قرأ”.
والقراءة غذاء العقل والروح لانه يساعد على رفع مستوى التركيز وعدم التشتت ،فالشخص الذي يقرأ مجالات شتّى من الحياة سواء كانت أدبيّة أو فكريّة أو قصص أو فقه وعقيدة أو علم من العلوم الحياة ، كل ذلك يوسّع مدارك وقدرات العقل والفكر لديه ، فالقراءة هي الوقود للعقل والأكسجين للدماغ .
وتساعد القراءة في مقاومة التوتر، وذلك لأنها تقلل من معدل الأفكار ،وتنظيم معدل ضربات القلب وتخفيف التوتر والضغط النفسي الذي قد يتعرض له الإنسان في حياته اليومية فهي الطريقة المثالية للاسترخاء وتهدئة تلك الأعصاب التي تعمل باستمرار.
ومن أمتع القراءة وأبعدها عن المَلل سِيَر وتراجم الرجال ، وفي مقدمتهم سيرة حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وقصص الأنبياء ، وحياة ذوي الشأن ، ممن ساهموا في عمار الأرض ، ونفع الإنسانية ، ذكورا وإناثا .
والقراءة تساعد على تدريب اللسان على البلاغة والفصاحة والبعد عن اللحن ، وأيضًا على توسع مفرداته وبالتالي إلى تحسين النطق والتحدث بطلاقة، كما تزيد من القدرة على فهم كيفية بناء الجمل ، اضافة الى تحسين مهاراته الكتابية .
وتؤثر القراءة في شخصية الإنسان، وتساعده على تنمية الذات، وتطوير الإبداع، والتفكير الناقد، والإيجابي ، وبناء ثقته بنفسه وتعزيزها على أتخاذ القرارات المناسبة في حياته ومستقبله ، فعندما يقرأ الإنسان، يتعرف إلى ثقافات ومفاهيم جديدة كان يجهلها من قبل، وتفتح له آفاقًا جديدة من المعرفة والمعلومات المفيدة التي تجعله أكثر قدرة على مواجهة الحياة وما يلاقيه من تحديات ومصاعب ويتعلم منها كيفية التعامل معها بصورة إيجابية.
وفي الختام ، امة لا تقرأ أمة لا تنهض ولا تتطور ولا تتقدم ، فليس هناك وسيلة اخرى خير من القراءة لنمو الأمة والأزدهار بها ،فاحرص على أن يكون للقراءة حظ من يومك، واجعلها دائما ضمن جدولك، وليست شيئا عابرا ، فكم من كتاب غير حياة إنسان، وكم من كتاب كان سببا في النجاح، وكم من كتاب نفع قارئه في كثير من مناحي الحياة .
نِعمَ الأنيسُ إذا خلوتَ كتَابُ
تَلهو به إن خانَكَ الأحبابُ
لا مُفشِياً سِرًّا إذا استودعتَهُ
وتُفاد منهُ حكمةٌ وصَوَابُ
🔘 إضاءة :
عِندمَا تُصبحُ القِراءةُ عَادةً يَوميَة، سَتكبُر بِطريقَةٍ سَريعَة، سَيكبُر عُمـرك العَقلِي، ستُصاحبُ الكُتبْ، سَيقِل عَدد أصدِقائِك، سَتُواجِه حُزنك بِكل بُرودْ، سَترى الأشيَاء بُوضوحٍ أكبَر .
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب