علي بالطلاق!!؟؟

في عام 2019 م حلّ العامل ياسين بنغلاديشي الجنسية ضيفاً على المملكة العربية السعودية ، ولم يكن العامل ياسين يعرف أي كلمة من اللغة العربية أو اللهجة العامية ؛ فكان صفحة بيضاء لا يعرف أي شيء وبدأ كفيله والضيوف الذين يأتون إليه بالحوار معه وتعليمه اللغة ، كان وما يزال ياسين فتىً يافعاً ونشيطاً ، وفيه حِدّة من ذكاء وسرعة تعلم وبديهة لم تكن في أقرانه.

وهكذا مضت السنون بحلوها ومرها على ياسين ، فقطع إلى الآن خمس سنوات وأصبح يتقن التحدث بالعربية بشكل لافت ومذهل ، وفي بداية السنة الخامسة ذهب ياسين إلى بلاده وتزوج ومكث هناك فترة من الزمن ثم رجع إلى كفيله مرة أخرى.

وفي أحد المرات بينما كنت أتحدث معه في أحد المواضيع فاجأني بأنه يحلف بالطلاق قائلاً ” علي بالطلاق!!؟” فكنت مدهوشاً من هذا الحلف وضحكت وتعجبت في آنٍ واحد ، وتساءلت كيف وصل العامل ياسين لهذا الحلف ؟!

ومن هنا أدركت فعلاً التأثير القوي للبيئة المحيطة على الفرد.

فتفاعل العامل ياسين مع الزوار الذين يأتون لديوانية كفيلة مع الأيام جعله يقلدهم ويأخذ طباعهم ويتحدث بلغتهم.

وهذا ما يؤكده علماء التربية ” من أن الفرد ماهو إلا متوسط الخمس الأفراد الذين يتفاعل معهم بشكل يومي”.

البيئة لها دور محوري وجوهري في صقل شخصية الفرد والتأثير على سلوكياته وحديثه ومظهره.

وقد جاء عن رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام أنه قال : ( الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ) ، وقد شبه الصديق الصالح ببائع المسك ، وصديق السوء بنافخ الكير ؛ لأن كلا منهما يؤثر على محيطه تأثيرا واضحا وجليا.

وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على هذا المعنى دلالة واضحة في قوله تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، ياويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ، لقد اضلني عن الذكر بعد إذ جاءني …الآيات

ومن المعلوم عند جميع العقلاء بأن الإنسان يتأثر من غير إرادته بمحيطه ويصبح مقلدا لهم من غير شعور منه ، ولذا فقد قال الشاعر الحكيم :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي

والعامة يقولون الصاحب ساحب ، وهذه الجملة على اقتصارها إلا أنها معبرة كل التعبير عن قوة تأثير البيئة المحيطة ؛ فإنها تسحب الإنسان من غير إرادة منه إلى ما يشاهده أمام عينيه ليتطبع به ، فالتعبير بالسحب هنا فيه من البلاغة الشئ الكثير ؛ فالبيئة المحيطة تسحبك وترغمك على ما هو منتشر فيها من الأقوال والأفعال لتتطبع به ويصير سجية لك من غير إدراك منك .

لذا لابد لكل واحد منا أن يكون حريصا جداً في هذه النقطة الهامة فإذا أردت أن تنمو وتنضج فكرياً وتتطور قيمياً وأخلاقياً فلابد أن تتواجد في البيئة المناسبة التي تدعم هذه السلوكيات وتساهم في تشكّلها في شخصيتك.

يجب أن تنتقي بعناية الأصدقاء المميزين الناجحين حتى مع مرور الوقت تحاكي طبائعهم وتستفيد من خبراتهم ونصائحهم وتجاربهم.

ختاماً مع التأكيد على أن الحلف بالطلاق عادة سيئة توارثها المجتمع وقد توقع الفرد في الطلاق وهو لايدري فإن ياسين وقع في هذا الفخ الذي نصبته له الخلطة والمعاشرة مع بيئته ، وحتى يخرج من هذا يجب أن يوجّه وينصح من جديد ويتم توعيته لهذا الخطأ الكبير.

 

نوار بن دهري
[email protected]

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “علي بالطلاق!!؟؟

د. ايمن عبد العزيز

قصة العامل ياسين تقدم مثالاً واضحاً على تأثير البيئة المحيطة على الفرد. ياسين، القادم من بنغلاديش دون معرفة باللغة العربية، تمكن من اكتساب اللغة والعادات المحلية بفضل تفاعله المستمر مع كفيله وزوار الديوانية. ما حدث مع ياسين ليس مجرد تعلم للغة، بل اندماج كامل في الثقافة المحلية، حتى وصل به الأمر إلى استخدام تعابير محلية مثل الحلف بالطلاق.

تؤكد القصة على أن البيئة تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصية الفرد وسلوكياته. هذا التأثير ليس بجديد، حيث تناوله علماء التربية والنفس في أبحاثهم، وأشار إليه الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في حديثه: “الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”.

كما أن القرآن الكريم يشير إلى تأثير الأصدقاء والبيئة المحيطة على الإنسان في قوله تعالى: “(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني…)”.
تتضح أهمية اختيار البيئة المناسبة والأصدقاء بعناية لضمان تطور القيم والسلوكيات الإيجابية. على كل فرد أن يحيط نفسه بأشخاص ناجحين ومميزين لدعم نموه الفكري والأخلاقي.

ختاماً، الحلف بالطلاق عادة سيئة قد تؤدي إلى عواقب غير مرغوبة. ويجب توعية ياسين وغيره من الأفراد حول هذه العادة وتصحيحها لضمان عدم الوقوع في مشكلات اجتماعية أو دينية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *