🖋️لقد منّ الله سبحانه وتعالى عليَّ هذا العام ١٤٤٥هـ بأداء مناسك الحج والعمرة برفقة والديَّ حفظهما الله وإبني الحبيب بكل يسر وسهولة ..
اقلعت بنا الطائرة من مطار الدمام صبيحة يوم الخميس الموافق ١٤٤٥/١٢/٧هـ ووصلنا مطار جدة وكلي شوق وفرحة لاداء فريضة الحج ومعنا مجموعة من الحجاج يكررون التلبية “لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك” هذا النداء الذي يهتف به المسلم الحاج إجابة لدعوة الله – عز وجل – لحج بيته الحرام؛ حيث يقول تبارك وتعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
أما والذي حج المحبون بيتـه
ولبوا له عند المهلّ وأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعًا
لرب لـه تعفو الوجوه وتسلمُ
يهلون بالبيداء لبيـك ربـنا
لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ
دعاهم فلبوه رضـًا ومحبةً
فلما دعوه كـان أقربَ منهمُ
فما أجملها من فرحة أراها في وجوه الحجاج وهم يقصدون بيت الله الحرام وقد تركوا ديارهم وأبنائهم لأداء هذه الفريضة .
ثم وصلنا موقع اجتماع الحملة وكان في استقبالنا وفد من مخيم الحملة ثم قاموا أفرادها بتقديم عدد من التوجيهات وبعض الهدايا لجميع حجاج الحملة والتي كان من أبرزها : (كتيبات إرشادية لأداء المناسك ، وأدوات النظافة ، وسجادة ، وساعة للإستغفار ، وشنطة صغيرة يوجد فيها حصوات رمي الجمار ، ومروحة ..).
ثم انطلقنا إلى موقع الحملة بمكة بكل يسر وسهولة لأداء المناسك ، وبعد ذلك ذهبنا للمخيم “بمنى” وقضينا فيه تلك الليلة استعداداً ليوم عرفات .
يارَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي
هَيَّجْتُمُوا يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي
سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي
الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي
وكان من أبرز فعاليات تلك الليلة ندوة علمية ومسابقات ثقافية بالمخيم .
ومن طرائف تلك الليلة سؤال الوالدة حفظها الله بعفويتها المعتادة وذلك بقولها : وش نسوي “بهلحيود” وتعني الجمار مما جعلنا نستلقي من الضحك نحن ومن معنا من الاخوات ممن فهم مراد الوالدة من ذلك .
وصبحية يوم عرفة انطلقنا من مخيمنا من “منى” متجهين إلى “عرفات” حيث إجتمع الحجيج هناك وكلٌ منشغل بالعبادة والدعاء وقراءة القرآن يرجون فضل الله ورحمته .
لا تُخْفِ دمْعَكَ إنّه عَرفاتُ
فَهناك تَسكُبُ غيثَها العَبَراتُ
وهناكَ تُغْتفَرُ الذنوبُ وتنجلي
عن كلّ قلبٍ غافلٍ ظُلماتُ
وهناكَ طُهرٌ للقلوبِ ومَنهلٌ
للرّوحِ عذبٌ هَديُهُ وفراتُ
فارفع أكفّكَ داعياً متضرعاً
عرفاتُ ما خابَت بِه الدّعَواتُ
ومن الواجب الحذر من نزغات الشيطان والذي يحرص على إشغال الحاج عن أداء نسكه بالجدال والشحناء وقد نهى الله عزوجل عن ذلك في قوله تعالى : { فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.
ثم دفعنا إلى “مزدلفة” وبتنا بها تلك الليلة ،ثم وصلنا صبيحة يوم العيد إلى مخيمنا في “منى ” ومكثنا فيه لإتمام مناسك الحج .
ومن أبرز المشاهد التي رأيتها أثناء ذهابنا للجمار ، توافد الحجيج من كل بلد ومن كل عرق ، مجتمعين في بقعة واحدة وبلباس واحد مرددين كلمة التوحيد “لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ” .
ومن الأشياء الجميلة إصرار الوالدة وحرصها مع كِبَرِ سنها وضعفها أن ترمي بنفسها الجمرات ناهيك عن إرشادها لنا في أداء المناسك .
ومما يثلج الصدر ويفرح القلب الدور الكبير الذي يقوم به رجال أمننا تجاه المعتمرين والحجاج وهذا لم يكن له أن يتحقق لولا توفيق الله سبحانه ثم توجيه ولاة الأمر واهتمامهم المباشر لتوفير كافة الأسباب لراحة ضيوف الرحمن وسلامتهم.
وفي ثاني أيام التشريق اتجهنا للحرم لطواف الإفاضة والوداع والسعي عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم :”لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت “.
فالحج “رحلة العمر” التي لا تُنسى ، وفي رحاب مكة كنا نقضي أثمن الأوقات ، وأجمل اللحظات ، وأسعد الذكريات .
🔘 إضاءة :
اهتمَّ مسلمو الأندلس كغيرهم من الشعوب الإسلامية بفريضة الحج و أزهرت أشواقهم في كتب الأدب الأندلسي، كما نرى في شعر ابن العريف الألميري:
شدّوا المطايا وقد نالوا المنى بمنى
وكلّهم بأليم الشوق قد باحا
سارت ركائبهم تندى روائحها
طيبا بما طاب ذاك الوفد أشباحا
مقالات سابقة للكاتب