من القيم ما هو أزلي في القرون .. و من أعظم المروءات و أكثرها وجوداً في الأحياء حتى الحيوان لايعدمها رد المعروف و حفظه ، و ليس من معروف أحق بالحفظ من معروف الوالدين ، إذ هو جزء لا ينفك من حقهما (وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) .
و وقع بعض الآباء في عهد رسول الله في جرم عقوبته ( القتل ) ، و استعد الأبناء لتنفيذه طاعة و امتثالاً لدين الله لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أن يقتل ابن أباه إذ هو ينافي حفظ المعروف بينهم !
و جاء في حفظ المعروف ما هو أبعد من ذلك ، فعندما مات رأس النفاق ابن سلول وهبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه و قال إنه كسا عمي العباس يوم بدر إذ لم يجدوا له ثوبا ! ، و الله جل و علا قال (ولاتنسوا الفضل بينكم..) .
و كم أشعر بالذهول وأنا أكتب هذه الأسطر مسترجعاً صوراً ترتسم أمام عيني لتلك الأحداث الشنيعة معنى وحساً من النكران و شناعة الجرم ، استراقة دماء معصومة ثم تطور الأمر لقتل ذي رحم ثم أب ثم أم طعناً !! ، و أصبحت أخبار قتل الأبناء لآبائهم و أمهاتهم لاتغيب !
لايكفي والله أن نتناقل الأخبار و نستنكر ونسترجع ثم نذهب لنعزي المصابين بالقتل ، ثم ننتظر خبراً جديداً لنعيد نفس الإجراءات .
إن المجتمع الواعي و المتحضر تقف به أحداث أقل حجماً و أضعف خبراً ليجروا البحوث و الدراسات ليكتشفوا الأسباب ، و تهب كثير من الجهات للمعالجة و إعادة البناء، و نحن إن فعلنا فهو هاشتاقات و تغريدات و ربما تعتيم و تبريرات !
إن أحداثاً كهذه شناعة و جرماً و نكراناً و بغضاً يجب أن يفزع من خبرها المجتمع كله قبل مؤسساته ليجبر الكسر و يحصن النشء من الوقوع في جديد منها.
و لو كان البناء لإنسان هذا الجيل قوياً لما كان عرضة لاحتلال فكره ، ففرط بعضهم في وطنه و تجاوز حدود دينه و خرج على ولي أمره ، و مرت الأحداث تجري بها سفن الأيام حتى بلغ الأمر القتل البغيض لأب و أم !
قبل سنوات حرقاً ثم دهساً ثم طعناً بطعنات ، ليته على الأقل كان كقتل الحدود (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) !
إنه لجلل يحرق الكبود و يدمي العيون كأنما هو طعن في القلوب ، فأين المربون و المصلحون و أين مؤسسات البناء من هذا ؟
إن المسؤولية ليست فقط على جهة دون أخرى فالمصيبة طامة ، طاعون مجتمع بأكمله ، فهيا يا مدارسنا يا معلمينا يا منابرنا يا خطباءنا يا لجان التنمية و مكاتب الدعوة .. يا مراكز الأحياء و يا وجهاء و مشايخ .. تحركوا لإصلاح الجيل و لبناء إنسان هذا الحين و غد، في تنظيم إداري و تخطيط بإشراف الجهات الإدارية المعنية و المسؤولة ليكون العمل بناءً و خلاقاً .. عملاً وطنياً لينهض بالقيم و يذكي المروءات و يرتقي بالأخلاق ، فديننا دين الأخلاق و القيم و المبادئ و الشيم حدوده حدود الله و حياة أهله في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ختاماً .. لتكن البروق لامعة تباشير غيث و بركات لا سوداء مظلمة كأولئك : (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو مااستعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها…) .. فالإصلاح هدف و الوسائل شرف (وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) .
أحمد مهنا الصحفي
مقالات سابقة للكاتب