البروق السوداء !

من القيم ما هو أزلي في القرون .. و من أعظم المروءات و أكثرها وجوداً في الأحياء حتى الحيوان لايعدمها رد المعروف و حفظه ، و ليس من معروف أحق بالحفظ من معروف الوالدين ، إذ هو جزء لا ينفك من حقهما (وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) .

و وقع بعض الآباء في عهد رسول الله في جرم عقوبته ( القتل ) ، و استعد الأبناء لتنفيذه طاعة و امتثالاً لدين الله لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أن يقتل ابن أباه إذ هو ينافي حفظ المعروف بينهم !

و جاء في حفظ المعروف ما هو أبعد من ذلك ، فعندما مات رأس النفاق ابن سلول وهبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه و قال إنه كسا عمي العباس يوم بدر إذ لم يجدوا له ثوبا ! ، و الله جل و علا قال (ولاتنسوا الفضل بينكم..) .

و كم أشعر بالذهول وأنا أكتب هذه الأسطر مسترجعاً صوراً ترتسم أمام عيني لتلك الأحداث الشنيعة معنى وحساً من النكران و شناعة الجرم ، استراقة دماء معصومة ثم تطور الأمر لقتل ذي رحم ثم أب ثم أم طعناً !! ، و أصبحت أخبار قتل الأبناء لآبائهم و أمهاتهم لاتغيب !

لايكفي والله أن نتناقل الأخبار و نستنكر ونسترجع ثم نذهب لنعزي المصابين بالقتل ، ثم ننتظر خبراً جديداً لنعيد نفس الإجراءات .

إن المجتمع الواعي و المتحضر تقف به أحداث أقل حجماً و أضعف خبراً ليجروا البحوث و الدراسات ليكتشفوا الأسباب ، و تهب كثير من الجهات للمعالجة و إعادة البناء، و نحن إن فعلنا فهو هاشتاقات و تغريدات و ربما تعتيم و تبريرات !

إن أحداثاً كهذه شناعة و جرماً و نكراناً و بغضاً يجب أن يفزع من خبرها المجتمع كله قبل مؤسساته ليجبر الكسر و يحصن النشء من الوقوع في جديد منها.

و لو كان البناء لإنسان هذا الجيل قوياً لما كان عرضة لاحتلال فكره ، ففرط بعضهم في وطنه و تجاوز حدود دينه و خرج على ولي أمره ، و مرت الأحداث تجري بها سفن الأيام حتى بلغ الأمر القتل البغيض لأب و أم !

قبل سنوات حرقاً ثم دهساً ثم طعناً بطعنات ، ليته على الأقل كان كقتل الحدود (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) !

إنه لجلل يحرق الكبود و يدمي العيون كأنما هو طعن في القلوب ، فأين المربون و المصلحون و أين مؤسسات البناء من هذا ؟

إن المسؤولية ليست فقط على جهة دون أخرى فالمصيبة طامة ، طاعون مجتمع بأكمله ، فهيا يا مدارسنا يا معلمينا يا منابرنا يا خطباءنا يا لجان التنمية و مكاتب الدعوة .. يا مراكز الأحياء و يا وجهاء و مشايخ .. تحركوا لإصلاح الجيل و لبناء إنسان هذا الحين و غد، في تنظيم إداري و تخطيط بإشراف الجهات الإدارية المعنية و المسؤولة ليكون العمل بناءً و خلاقاً .. عملاً وطنياً لينهض بالقيم و يذكي المروءات و يرتقي بالأخلاق ، فديننا دين الأخلاق و القيم و المبادئ و الشيم حدوده حدود الله و حياة أهله في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ختاماً .. لتكن البروق لامعة تباشير غيث و بركات لا سوداء مظلمة كأولئك : (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو مااستعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها…) .. فالإصلاح هدف و الوسائل شرف (وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) .

 

أحمد مهنا الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

7 تعليق على “البروق السوداء !

فهد علي الصحفي

كلام جميل من رجل العلم والبناء أبا رايد لا عدمناك فبأمثالك يتم الاصلاح والبناء،
الموضوع خطير يقف أمامه الحليم حيران فان كان العقل يميز الانسان عن الحيوان فان الفطرة تجمع بينهما فالتغلب على العقل اسهل من الغاء الفطرة السويه التي تربط الابن بأمه وابيه ولقوة العلاقه الفطريه بين الابناء والاباء جعل الله سبحانه وتعالى مخالفتها شاهد على اهوال يوم القيامه قال تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } وقال تعالى : { يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } فكيف تمت السيطرة على الانسان واقناعه فكرا ومسخ فطرته لكي يرى ان قتل أمه طريقه الى الجنه .
أن البناء لا يكفي اذا لم يتم القضاء على معاول الهدم و دور الفساد فالجدار مهما قوي بناءه حتما سيهدم ان تركت معاول الهدم تعمل ليلا ونهارا فلا بد مع البناء القضاء على المخربين والوسائل الموصله لهم فقد حاربنا وحجبنا المواقع الاباحيه ومن باب اولى محاربة مواقع الهدم الفكري ووسائل مسخ الفطر السويه .
ولنا في قصة ابراهيم عليه السلام عبره فلم يكتفي بدعاء ربه بان يجنبه وبنيه عبادة الاصنام بل بادر بهدمها .
نسأل الله ان يصلح حال المسلمين ويعيدهم الى الطريق الصحيح .

ابو ملاك

شكرا ابا رائد على هذا المقال الذي لامس ماحصل من اخبار مفزعه ومحزنه وغريبه على مجتمعنا المتماسك . ولكننا في نفس الوقت لابد من معرفة الاسباب ودراستها دراسه مستوفاه من جميع الجوانب من الاكاديميين المتخصصين بالجوانب الاسريه والاجتماعيه وبدعم من وزارة الداخليه لبعض التحقيقات مع من قبض عليهم احياء من هؤلاء اصحاب الرايات ﻷنه بمعرفة الاسباب نستطيع تجنب ان يقع فيها ابنائنا .
فالاسباب ليست في التعليم ولا في المناهج ولا في دور تحفيظ القرآن ﻷن مملكتتنا وعلى مدار اكثر من 80 عاما وقد خرجت اجيالا بنت تاريخ المملكه ولم يكن من بينهم من كان يهدم مثلما فعل هؤلاء الخوارج وهدموا تاريخنا

محمد الرايقي

بمثل هذا الفكر وهذه الرؤيا
ترتقي الأمم في مناقشة سلبياتها
بطرح راقي ومميز ومفهوم للجميع
لسلاسته وجمال مفردته .
وضعت يدك أستاذنا الكريم على الجرح واوجدت
طريقة العلاج.
مقال مميز ويستحق الابراز والنشر

Saeed

نعم ابا رائد “”””
فقد اجدت طرحا وشرحا ووصفا ومضمونا
فالمقال يتحدث عن امرٍ جلل وواقعة دخيلة
علي المجتمع المسالم المتدين
وحتى تلك المجتمعات التى لادين لها لاتقر
مثل هذه الاعمال الخبيثة
نسأل الله السلامة والبر والامن والايمان والنجاة
من النيران

غير معروف

اهلا بك ابا رائد وباسلوبك الشيق ولكن ما اسهل الكتابة في مجتمع تعلم لكي ياكل ويجنى الرواتب العالية فقط ولم يتعلم لكي يطبق ما تعلمه على نفسه اولا درس السيرة ولم يطبقها في حياته اليومية ….
يرى شابا عليه سمات الانحراف او الجحود او الانطوائية فيبتعد الناس عنه (ضائع ، مدمن ، …….. ) ما علم هذا المتعلم انه لو اخذ بيد ذلك الشاب لردع الى صوابه ولو بعد حين ومجتمع خليص فيه من رجع الى الصواب من هذا الطريق
فالمخدرات هي مفتاح لما ذكرت من احداث

عبدالرحيم الصبحي ـ أبو أوس

أحبابي وأصدقائي أثمن لأبي رائد مقالته وحمل هم مجتمعه وإبداعه في نثر هم مشترك وقضية عامة وليس خاصة وهو من أهل الرأي

ولكن في زمن اختلفت المعايير والمقايس آن الآن لأن نقف وقفت إصلاح لأنفسنا أولا ثم لأبنائنا تغير الأبناء يبدأ بخطوة هي تغير الأباء لن يصلح الابن واباه بعيد عن معايير الصلاح ولا أقصد هنا الدين ولكن صلاح البناء الصحيح والتعامل الصحيح في البيت لابد من العناية بالأباء لمواجهة الخط العسير الذي مشى فيه الأبناء .
لازلنا نضرب بالمطرقة الابن الذي فعل وفعل والأجدر بنا الوقفة مع الأب الذي فعل بصمت وشى بالسر في كيفية التواصل مع البيت أولا ثم الأبن ثانيا .
هناك همزة وصل بين الأب وابنه كيف لم يعلم الأب بإنقطاعها وكيف لم يهتم الابن لانقطاعها ولا يهم من قطعها .
لم يخلقنا لعبادته ولكنه خلقنا لنتعرف عليه ومن تعرف على الله لم يخذله في عبادته فهل يعرف ابني وابنك الله ؟! سؤال أضع إجابته بين أيدكم ولكن أنصحكم أن تجعلوه بداية التصحيح في علاقتكم بابنائكم
مع خالص شكري وتقديري لمعلمي والغالي على القلب : الأستاذ أحمد مهنا الصحفي ثم لكم جميعا

.........

حللت وتأملت فأبدعت وبحرفك نسجت فبرعت …بورك الفكر. والحرف وصاحبهما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *