يصف الواقع بمهارة وجودة العارف ببواطن الأمور، ويجمع بحذق المتطلع للمستقبل مؤشرات ودلائل تعينه على استقراءه والاستعداد له توكلاً على مسبب الأسباب وواهب العقول والأفهام سبحانه رب الأرباب، ذلك هو بطل مقالنا اليوم.
ولكن لله سنن تجري وأحكام تسري تقول”أن بقاء الحال من المحال” ،والتغافل عن السنن أو تجاهلها لا يمنع وقوعها والاكتواء بنارها.
فكم من متحمس لمشروع اجتماعي بدأه بهمة ونشاط وبلغ به عنان السماء ومرت السنون عليه فانطفأت جذوة الحماس وتلاشت همته ، وأصبح المشروع أثراً بعد عين بسبب انقطاع رافد التجديد والتطوير في الأفكار والأشخاص.
وكم من متحفز لبناء مشروع تجاري نجح نجاحاً باهراً ولكن سرعان ما انقلب به الحال، فأصبح المشروع بقايا ذكريات لقصة جميلة إسمها الإدخار والإستثمار، والسبب التغافل عن حركة السوق ودوران وتجدد المنتجات.
وكم صاحب علم وتخصص كان علماً في مجاله ولم يأبه لصوت عجلة السنين وهي تدور وتصرم الأيام والشهور،فأصبح يجتر معلومات عفا وجار عليها الزمن ولم يصحو إلا على صوت قادم من بعيد يقول له”هذا كان في زمانكم” لقد تقادمت المعلومات، وتوقفت على آخر مقعد دراسي مر به وهمشت أدوات بحثه وعلمه على جادة التطور والتجديد.
هذه المؤشرات تنبع خطورتها من دلالتها على تطور حالة الاجترار الذهني المزمن الذي نمارسه قصداً أو من غير قصد في كثير من مناشط حياتنا ومشاريعنا.
إننا يجب أن نعي سنن الله في الكون، وأن الأنهار الجارية تصبح مياهاً آسنة إذا توقفت عن الجريان الذي بسببه تتجدد المياه.كذلك نحن البشر علينا يتعين أخذ عبرة من ذلك فأنت صاحب علم كنت أو مشروع خيري أو نشاط اجتماعي أو رياضي لن تكون استثناءً إذا لم تتجدد بأفكار جديدة وأشخاص مؤهلين لذا حتماً ستصحو يوماً وقد تبدد مشروعك وتبخر.
لنحذر ونتعلم سنن الله في خلقه ولنجدد في حياتنا بميزان الشريعة الغراء التي تؤمن لنا البصيرة بمواضع هذه السنن ولنحذر التقوقع والبعد عن الواقع المعاش. فهل نعي؟
محمد سعيد الصحفي
محاضر بالكلية التقنية بجدة
مقالات سابقة للكاتب