اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية لا يمثل فقط مناسبة للاحتفال بتوحيد هذه الأرض المباركة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بل هو تذكير بقرارات حكيمة ومواقف حاسمة اتخذها قادة المملكة عبر العقود، لتأمين استقرارها وحماية مصالحها ودعم قضايا الأمة العربية والإسلامية.
منذ اللحظة التي اتخذ فيها الملك عبدالعزيز قراره التاريخي بتوحيد المملكة، رسّخ مبدأً أساسيًا في قيادته: أن أمن الوطن واستقراره هما القاعدة التي تُبنى عليها كل نهضة.
هذا النهج لم يكن مجرد سياسة عابرة،بل تحول إلى إرث يُحتذى به من قبل كل ملوك المملكة الذين جاؤوا بعده.
في عام 1973م، تجسدت رؤية الملك عبدالعزيز في قرارات نجله الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- خلال حرب أكتوبر، عندما اتخذ قرارًا تاريخيًا باستخدام سلاح النفط لدعم الجبهة العربية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
كان قرار الفيصل بقطع إمدادات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل بمثابة تحوّل استراتيجي غيّر موازين القوى الدولية.
هذا القرار لم يكن مجرد دعمٍ للقضية العربية، بل كان انعكاسًا لفكر قيادي عميق يدرك أهمية استخدام كل الأدوات المتاحة للحفاظ على مصالح الأمة العربية والإسلامية.
كان الملك فيصل هنا يجسد رؤية المؤسس، بأن المملكة ليست فقط حامية لحدودها، بل هي قوة مؤثرة في مصير الأمة.
وكما تصدى الملك فيصل للمخاطر الخارجية التي تهدد الأمة، واصل ملوك المملكة هذا النهج في حماية استقرار المملكة والمنطقة.
في حرب الخليج الثانية، اتخذ الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- قرارًا تاريخيًا بدعوة قوات التحالف الدولي للدفاع عن المملكة والخليج، مؤكدًا أن المملكة ستكون دائمًا في مقدمة المدافعين عن أمن واستقرار المنطقة.
هذا القرار لم يكن مجرد استجابة لتهديد مباشر،بل كان تجسيدًا للرؤية العميقة التي وضعها الملك عبدالعزيز، بأن استقرار الخليج جزء لا يتجزأ من استقرار المملكة.
ثم جاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- ليُكمل هذا النهج خلال أحداث البحرين عام 2011م، عندما قاد قرار المملكة بالتدخل ضمن قوات “درع الجزيرة” لحماية البحرين من الفوضى والاضطرابات.
كان هذا القرار امتدادًا لسياسة المملكة في حماية أمن جيرانها ودعم استقرارهم،وهو نفس النهج الذي بدأه المؤسس في بناء علاقات قوية مع دول الجوار.
وفي عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز،استمرت هذه السياسة الرشيدة عندما اتخذ قرارًا بإطلاق عملية “عاصفة الحزم” في عام 2015م لحماية حدود المملكة الجنوبية من التهديدات الحوثية المدعومة من إيران.
هذا القرار الحاسم كان امتدادًا لسياسة المملكة في حماية أمنها واستقرارها من أي تهديد خارجي،وتعزيزًا للرؤية الثاقبة التي تقوم على أن المملكة لن تسمح لأي قوة بزعزعة استقرارها أو استقرار المنطقة.
ولا يمكن أن نغفل عن قرار الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- في مواجهة الإرهاب في مطلع الألفية الجديدة،حينما تصدى بحزم لمحاولات الإرهابيين زعزعة استقرار المملكة.
كان قراره باتباع استراتيجية أمنية شاملة،بما في ذلك برامج لإعادة تأهيل المتطرفين،مثالاً على الحكمة العميقة في التعامل مع التهديدات الداخلية.
كل هذه المواقف والقرارات القيادية،من قرار الملك فيصل في حرب أكتوبر،إلى قرار الملك فهد في حرب الخليج، وقرار الملك عبدالله في البحرين،وقرار الملك سلمان في حماية الحدود الجنوبية، وقرار الأمير نايف في مواجهة الإرهاب،تمثل امتدادًا لرؤية المؤسس الملك عبدالعزيز.إنها سلسلة متصلة من القرارات الحكيمة التي وضعت حماية الوطن والأمة في مقدمة الأولويات، وأسست نهجًا يرتكز على الحكمة والرؤية الثاقبة والتفكير الناقد.
واليوم، تأتي رؤية المملكة 2030م، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتواصل هذا الإرث العظيم.
فكما أسس الملك عبدالعزيز مملكة قوية وموحدة،يسعى ولي العهد اليوم إلى بناء مستقبل مشرق ومستدام، قائم على تنويع الاقتصاد وتعزيز القوة الإقليمية والدولية للمملكة.
هذه الرؤية ليست مجرد خطة تنموية، بل هي انعكاس للتاريخ العريق والمواقف الحكيمة التي اتخذها قادة المملكة على مر السنين، لتأمين مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.
في النهاية، اليوم الوطني ليس فقط مناسبة للاحتفال بما تحقق،بل هو دعوة للتأمل في الحكمة والحنكة التي ميزت قادة المملكة عبر تاريخها،والتأكيد على أن هذه الأرض التي وُحدت بقرار تاريخي ستظل محمية بقيادة حكيمة ورؤية مستنيرة للمستقبل.
عثمان العثمان
مقالات سابقة للكاتب