إن حب الوطن غريزة فطرية في الإنسان، ومنهج نبوي أصيل، فليس عجيباً على الإنسان أن يحب وطنه الذي تربى على ثراه، وأكل من خيراته، وشرب من مائه، وهو ميل الإنسان العاطفي إلى البلد الذي ينسب إليه، ويعيش فيه، سواء ولد فيه الإنسان، أم لم يولد، فيؤدي حقوقه، ويدافع عنه، ويعمل على نهضته، ورقيه وتقدمه.
وقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، تؤكد على محبة الفرد لوطنه، منها: قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا…)، وأيضاَ قول النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج من مكة، (وَإِنِّي لِأَعْلَمُ أَنَّكِ لَأَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ وَأَكْرَمُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ لَمَا خَرَجْتُ مِنْكِ).
فكل إنسان يعتز بوطنه؛ لأنه موطن آبائه، وأجداده، فمن حق الوطن عليه، الانتماء له، والفخر به، كذلك طاعة أولي الأمر بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، والدعاء لهم، وللوطن، بالأمن والأمان، ومد جسور المحبة، والتعاون بين أفراد الوطن، من أجل السعي إلى الرفعة بالوطن وتطوره.
وقد يتعرض حب الوطن لبعض المعوقات التي تهدد أمنه، واستقراره، كسوء التنشئة الاجتماعية، فالتشدد في تربية الأولاد، أو الإفراط فيها، يجعلهم ينفرون من المنزل، وينتمون إلى الجماعات الإرهابية المتطرفة، بدلاً من انتمائهم إلى وطنهم، وحبهم له، ثم إن اختلال الأمن الفكري، يؤدي إلى انتشار الفكر المنحرف داخل المجتمع، وزعزعة الأمن الوطني في كافة مجالاته المختلفة، كما أن الجهل بمفهوم الوطنية، يصل بالفرد إلى أن يعتقد أن حبه لوطنه يتعارض مع نصوص الدين، فيكره العمل من أجل الوطن، وذلك بالتقصير في القيام بحقوق الوطن، وواجباته، كذلك الإفساد في الأرض، يُعد تعبيراً عن ضياع الأخلاق، والقيم الفاضلة بين أفراد المجتمع، وانتشاراً لأمراض القلوب بينهم، مما يؤدي إلى ظهور الكثير من صور الفساد في الأرض.
فالوطن حياة الإنسان، الذي يستحق أن يقدم له كل غالٍ وثمين، فمن واجبات الفرد تجاه وطنه، غرس قيمة حب الوطن في نفوس الناشئة، وحماية أمنه، وسلامة أراضيه من أي عدوان داخلي، أو خارجي، وأيضاً تطبيق القوانين، والأنظمة الصادرة في الوطن، والمشاركة في تطويره حسب القدرات العلمية، والمعرفية، والثقافية، والمهنية، كذلك العناية بجمال بيئة الوطن، وحمايتها من التلوث، والحفاظ على الممتلكات العامة، وتمثيل الوطن بنشر العادات، والتقاليد، والأعراف خارج الوطن، لإعطاء صورة مشرفة عنه؛ فقيمة حب الوطن دعم للإحساس الوطني، وتنميته بما يخدم المصلحة الوطنية.
د. سارة بنت إبراهيم الشهيل
عضو هيئة تدريس بجامعة الملك سعود
أكاديمية وكاتبة
مقالات سابقة للكاتب