المُخْلِص

شدني وبقوة أحد عمال النظافة في الحي الذي أسكن فيه لأن أكتب هذا المقال في هذا الصباح الجميل ذو النسمات الباردة اللطيفة.

العامل محمد بنغلاديشي الجنسية ليس كأحد العمال العاديين الذين يؤدون عملهم بشكل رتيب وممل ، بل إنه يؤدي عمله بصدق وإخلاص وأمانة وتفانٍ ؛ مهما اختلفت الظروف المناخية فإنه يعمل ويكد بكل جدية وانتظام ، ومع هذا تراه مبتسماً لكل من يلقي عليه السلام ويهش في وجوه المارة ويبش مع صعوبة العمل الشاق الذي يبدأ بالقيام به منذ ساعات الصباح الأولى ، عندما ترى إخلاصه وإتقانه لعمله ينقدح في ذهنك أن هذا الرجل ممتثلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ، وإلا لما كان قام بعمله على هذا الوجه الملاحظ من الصدق والإخلاص ؛ فإنه لو أراد لكان عمله كغيره من العمال ؛ يتخلله التساهل والتفريط والإهمال ، ولستطاع أن يتهرب من مسؤولياته أو على أقل تقدير أن يقصر فيها ويجد لنفسه الأعذار لئلا يقوم بعمله على الوجه المطلوب.

علاقتي بالعامل محمد تزيد على أكثر من سنة ، حيث أصبحنا أصدقاء ، ومن المصادفات العجيبة التي تؤكد كلامي أن جاري سوري الجنسية لما رآني أتحدث مع محمد في هذا الصباح ذكر لي صفة الإخلاص والتفاني في العمل التي لاحظ اتصاف العامل محمد بها ؛ دونما أن أقول له شيئاً ، كان ذلك توارد خواطر وحقيقة ظاهرة كشفت عن نفسها.

يقول لي جاري مشيداً بإخلاص الأخ محمد : أراه متواجدا في كل مكان ليس كبقية العمال الذين يتكاسلون ويسحبون أدوات النظافة ، ويقتربون من السيارات ليستجدوا الناس ليحصلوا على بعض المال.

من هنا نعلم أن نهضة المجتمعات والأمم إنما تقوم على الإخلاص في العمل وأداء المهام الموكلة لكل فرد بكل تفانٍ وجدية.
فلو قام كل إنسان بما أوكل إليه من عمل كما يجب أن يفعل لكان الحال غير الحال ولصلحت أحوال العباد والبلاد .

كم نحن بحاجة إلى هذا النهج وهذا الإخلاص والصدق والأمانة في كل شؤون حياتنا ؛ الذي يتمثله الأخ محمد.

محمد على الرغم من صعوبة عمله والإجهاد الكبير الذي يتعرض له إلا إنه ثابت ومجتهد ويؤدي عمله بكل ما أوتي من قوة.

إن الأخ محمد ليستحق منا التكريم والإشادة فهو مثال حي يحتذى بها أمام زملائه وأمام الجميع.

ولعل هذه المقالة هي رسالة شكر لمحمد على هذا الدرس العظيم الذي تعلمته منه ، وهذا أقل شيء يمكنني أن أقدمه له.

نوار بن دهري
[email protected]

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “المُخْلِص

د ايمن عبد العزيز

المقالة تسلط الضوء على قيمة العمل المخلص والتفاني في أداء الواجب، من خلال نموذج عامل النظافة محمد. الكاتب يلتقط بذكاء مشهدًا يوميًا قد يمر على الكثيرين دون ملاحظة، ولكن بعيون تأملية يرى فيه صورة من صور التضحية والعمل بإخلاص.

1. السياق الإنساني والاجتماعي
يبرز المقال الجانب الإنساني العميق من قصة محمد، حيث إن عمله ليس مجرد مهمة يؤديها بل رسالة أسمى يعكس فيها قيم الإسلام والإخلاص. الكاتب أشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، مما يعطي العمل بعداً دينياً وأخلاقياً. هذا السياق يشير إلى كيف يمكن للإنسان مهما كانت مهنته بسيطة، أن يُحترم ويقدّر من خلال صدقه وإتقانه.
التحليل النفسي للشخصية
العامل محمد يملك شخصية نادرة تُظهر البشاشة والإيجابية رغم الصعوبات. عدم تهاونه أو تراخيه في العمل يعكس احترامه لذاته ولقيمة العمل الذي يؤديه، كما أنه يعطي انطباعاً أن هذا الشخص يجد سعادته في خدمة الآخرين. هنا نجد تأكيداً على فكرة أن الراحة النفسية والسعادة لا تأتي من سهولة العمل بل من جودة الأداء والرضا الذاتي.

3. الرسالة المجتمعية
المقال يشير إلى فكرة مهمة، وهي أن نهضة المجتمعات والأمم تعتمد على إخلاص الأفراد وتفانيهم في العمل. الكاتب يعبر عن أمنية لو أن الجميع يتبنى هذا النهج في أداء أعمالهم، لكان المجتمع في حال أفضل بكثير. هذه الرؤية المجتمعية تجعل من المقالة نداءً غير مباشر للتحلي بهذه القيم الأخلاقية.
البعد التربوي
الكاتب يقدم محمد كنموذج يُحتذى به، ليس فقط للعاملين في المهن المماثلة ولكن لكل من يقرأ المقال. هذا يجعل المقالة تربوية تعليمية، تزرع قيماً في نفوس القراء وتشجعهم على احترام العمل وتقدير العاملين المخلصين.

الخاتمة
المقالة تشيد بمحمد وتعتبره رمزاً للإخلاص والتفاني، وتدعو القارئ إلى إعادة النظر في فهمه للعمل وأهميته، بعيداً عن النظرة السطحية التي قد تجعل البعض يستهين بأدوار الآخرين في المجتمع. وبذلك، تجعلنا المقالة نشعر أن شكر محمد وتقديره ليس مجرد واجب، بل رسالة اجتماعية تربوية عميقة
ما أريد قوله
إن هذه المقالة ليست فقط تقديرًا للعامل محمد، بل هي تذكرة للجميع بقيمة الإخلاص والعمل الصادق. إن كل كنا يعيش في مجتمع يحتاج إلى أمثال محمد، الذين يقدمون المثال الحي عن الأمانة والتفاني، وهي القيم التي تُبنى بها الأمم وتنهض بها الشعوب

عبد الرحيم علي السوداني

بارك الله فيك أخي نوار فقد صدقت حروفك في حق هذا العامل المخلص.

وأنا كذلك أشهد على ما ذكرت في حقه.

نسأل الله له العون والتوفيق وجميع من أدى عمله بإتقان في شتى ضروب الحياة آمين

أ/عبدالرحمن بن سودان

فعلاً صفت الصدق والامانه والتفاني في العمل قلت في هذا الزمان
شكراً اخي وصديق دراستي نوار بن دهري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *