لقد أحسنت صُنْعًا “جمعية قيم لخدمة السنة والتأريخ والحضارة الإسلامية” بمكة المكرمة حيث عمدت إلى عقد “مجالس سماع” للحديث النبوي الشريف ، والتي أصبحت من السنن المهجورة في حين كان عقدها وحضورها سمة لأهل العلم في القديم والحديث .
وكم يحدونا الشوق لحضور هذه المجالس التي تتنزل فيها السكينة وتغشاها الرحمة ويقرأ فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
أهل الحديث هموا أهل النبي وإن
لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
ولهذه المجالس العلمية العديد من الفوائد من جملتها :
– الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
– إحياء سنة قراءة كتب الحديث على العلماء المسندين.
– الصبر على أخذ العلم ومدارسته.
– التدريب على جرد المطولات والاطلاع على دواوين العلم.
– التحفيز على الرجوع لكتب السنة والقراءة فيها ومطالعة شروحها.
– الحفاظ على الإسناد فهو ميزة هذه الأمة.
– حفظ أوقات الشباب فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة والأجر العظيم في الدارين.
– التشبه بعلماء سلف هذه الأمة من أئمة الحديث وغيرهم وكما قيل:
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاحُ
وتتمحور فكرة هذه المجالس العلمية المباركة “مجالس السماع” الحديثي حول تحديد قراءة كتاب من كتب السنة النبوية على شيخ من علماء الحديث المسندين فيقوم الشيخ بالتعليق على بعض الأحاديث والآثار وبيان غريبها وكشف مبهمها وذكر فوائدها وغير ذلك مما هو معروف عند علماء الحديث.
مَجَالِسُ العلمِ تَروي كُلَ قِصَتِنا
إنْ قُلتَ حدثنا يحيى وسُفيانُ
وفي هذا المجلس المبارك والذي عقد مؤخرًا في يومين تم الإقراء والتعليق على كتابين هما كتاب “خلق أفعال العباد” وكتاب “القراءة خلف الإمام” وكلاهما للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (ت ٢٥٦ هـ) رحمه الله تعالى.
وتأتي هذه اللقاءات الحديثية ضمن الجهود المبذولة والمشكورة لهذا الصرح المبارك وللقائمين عليه “جمعية قيم لخدمة السنة والتأريخ والحضارة الإسلامية” .
والتي تسعى في رسالتها إلى خدمة السنة النبوية من خلال منظومة القيم النبوية والتأريخ والحضارة الإسلامية بمنهجية علمية محكمة تسهم في خدمة المجتمع.
▪️ أهداف الجمعية :
-تعزيز مكانة السنة النبوية في المجتمع وتنمية المهارات العلمية والبحثية للمتخصصين في السنة النبوية والعلوم الشرعية.
-تعزيز روابط الانتماء والمواطنة بين أفراد المجتمع.
-تعزيز ارتباط النشء بالقيم الإسلامية النبيلة.
▪️الفئات المستهدفة للجمعية :
-قاصدوا مكة المكرمة من الحجاج والمعتمرين والزائرين.
-المتخصصون في السنة النبوية والعلوم الشرعية والمهتمون بالتأريخ والحضارة الإسلامية.
-عموم أفراد المجتمع من الجنسين في المراحل العمرية المتعددة.
▪️من أبرز مبادرات الجمعية وبرامجها :
-مبادرة العناية بدواوين السنة النبوية وفق منهجية علمية وبحثية تجمع بين الرواية والدراية والرعاية.
-مبادرة كيف نكون قدوة في البلد الحرام.
-مبادرة بصائر لتعزيز مكانة السنة النبوية ودحض الشبهات المتعلقة بها.
-مبادرة إكرام وإرشاد للمساهمة في توعية وخدمة ووفادة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزائرين.
-مبادرة تمكين لتنمية المهارات العلمية والبحثية لطلاب العلوم الشرعية وعلوم العربية والعلوم الإنسانية.
-مبادرة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها لقراءة وفهم الحديث النبوي الشريف.
-مبادرة إضاءات في التأريخ والحضارة الإسلامية وبيان جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين والسنة النبوية والتأريخ والحضارة الإسلامية.
وأقترح في نهاية هذا المقال على إدارة الجمعية فيما يخص “مجالس السماع” الحديثي ما يلي:
– الحرص على عدم السرعة المبالغ فيها أثناء القراءة لمتون السنة النبوية مما يفقد المستمع دقة الفهم والاستيعاب.
– تقسيم كتب السنة المختارة المطولة على عدة أيام وفي أوقات متفرقة كالفجر إلى منتصف النهار ، ومن العصر إلى المغرب أو العشاء ، حتى لا تمل النفس ، ولنا في ذلك أسوة وقدوة بأئمة الحديث في قراءتهم لكتب الحديث في أزمنةٍ قصيرة ومُددٍ قليلة وأوقاتٍ متفرقة ؛ فهذا الإمام الحافظ الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣هـ) – رحمه الله – ذكر في كتابه “تاريخ مدينة السلام” (٧/ ٣١٨- ٣١٩) : أنه سمع على الحافظ إسماعيل بن أحمد الضرير (ت ٤٣٠هـ) بمكة “صحيح البخاري” في ثلاث مجالس ؛ اثنان منها في ليلتين ، كان يبتدئ بالقراءة وقت صلاة المغرب ويختم عند صلاة الفجر ، والثالث من ضحوة النهار إلى المغرب ، ثم من المغرب إلى وقت طلوع الفجر.
وأخيرًا أشكر إدارة “جمعية قيم لخدمة السنة والتأريخ والحضارة الإسلامية” على ماتقوم به من جهود كبيرة في إقامة هذه المجالس العلمية والتي نفع الله بها المسلمين في مهبط الوحي ومنطلق الرسالة.
🔘 ومضة :
قال عبدالله بن المبارك – رحمه الله – : “الإسناد من الدين، ولولا الإسناد، لقال من شاء ما شاء”.
مقدمة “صحيح مسلم” (١٢/١).
خالد بن محمد الأنصاري
مقالات سابقة للكاتب