حظيت الأم بمنزلة عالية ، ومهمة سامية ، يترتب عليها ، ما يتمتع به الأجيال ذكوراً كانوا أو إناثاً ، من اعتقاد وسلوك وأخلاق ، وفكر وإنتاج ، وكل ما نراه ونلمسه ، من استقامة على دين الله ، وأخلاق رفيعة مع عباد الله ، و من تطور فكري ، واقتصادي ، وتنموي ، وثقافي ، لدى الكثير من أبنائنا وبناتنا ، في دفع عجلة الحياة في كل مجالاتها و مستوياتها، فإن اللبنة الأولى التي تأسست عليها كل هذه النجاحات والتطورات هي الأم ! نعم ؛ هي الأم ، التي وضعت هذه اللبنة ، في عقائد وسلوك وأفكار أبنائها ، كيف لا ، وقد بدأت حياة هذا المولود ، في أحضانها ، ترضعه الحب والعطف والأخلاق ، وتعديل السلوك ، والنصح والتوجيه ؛ قبل إرضاعه ثدييها ، أليست السبع سنوات الأولى، التي يعيشها ؛ الطفل في حضن أمه الدافئ ، بكفيلة أن تغرس في فكره وسلوكه المبادئ التي يؤمن بها الأبوان ، إيجاباً كانت أو سلباً ، ولا شك أن الأم هي أكثر ملازمة لأولادها وبناتها من الأب ، فهم ينهلون من عقيدتها وطبعها وسلوكها وفكرها ، محاكاة وتقليداً ..
قال بعض التربويين : ( اعطني سبع السنوات الأولى من عمر طفل ؛ أعطيك رجلاً ) وهناك مثلٌ يُحكى على الألسن ( وراء كل رجل عظيم إمراة ) أليست الأم هي المعنية بتحقيق هذا كله ، بلى ، وأيم الله ، إنها هي صاحبة الفضل الأول – بعد توفيق الله – في ذلك ..
وقد سطر لنا التاريخ نماذج مشرقة لأمهات ، تخرج من أحضانهنّ ، رجال قادة ، وعلماء ومفكرون ، ومجالات عديدة ، وتخصصات دقيقة ، هذه صفية بنت عبدالمطلب ، ربت ابنها الزبير بن العوام – رضي الله عنه – وأدبته وأحسنت تربيته حتى أصبح قائداً من القادة الكبار الذي يشار له بالبنان .
وهذه أم سفيان الثوري رحمه الله: فقد كان لها عظيم الأثر في تنشئة سفيان تنشئة صالحة، وتربيته تربية حسنة، فقد ربَّته على حب طلب العلم، والاشتغال به ،
وكانت تنفق عليه بمغزلها ( الغزل فتل القطن ونحوه بالمغزل ) ، ومن هو سفيان الثوري ، بعد ذلك ؛ أصبح عالماً ورعاً زاهداً ، تقياً نقياً ..
وهكذا نحن نلمس في عصرنا الحاضر من شبابنا وفتياتنا ، من برزوا وأبدعوا في مجالات الحياة الإدارية و الاجتماعية والاقتصادية ، والتقنية ، وغيرها ، حتى ضُرب بهم المثل بالتميز في الوظائف والمؤتمرات والمسابقات المحلية والدولية ، وكل هذا لأن التأسيس كان موفقاً ، على يد إمراة موفقة ، ( الأم ) الصابرة المحتسبة ،
فهنيئاً للأم هذه الوظيفة العالية ، التي كرمها الله بها ، فوالذي نفسي بيده ؛ لا تعدلها وظيفة ، عزٌ وفخرٌ في الدنيا ، وميراثٌ ، ودعوات ؛ إن كانوا صالحين بعد الممات ، فيا أيتها المربية الفطنة ، لا تسمحي لأحد أن يتولى تربية أولادك ويزاحمك في ثروتك ، وفؤاد قلبك ، فإن مشارب التربية تعددت ، ووسائلها تنوعت ، فإذا تركت هذه الغرسة ، لمن لا يحسن التربية ، أو لا تهمه ، ثمارها ونتائجها ، حصل الندم ، حال فساد الثمار وخرابها ، فلا يسعنا إلا أن نقول ، جزاك الله خيرا على كل ما تقدمين ، وأبلغك الله كل ما تتمنين في أولادك وبناتك ، ونؤكد لكِ الوصية بالإخلاص ، والحلم ، والحكمة والعدل ، والشكر لهذه النعمة ، والصبر على مشاقها ، ومتاعبها ، والعاقبة للتقوى .
د.صلاح محمد الشيخ
مقالات سابقة للكاتب