في خلوة مع نفسي ، لاحت في مخيلتي ذكريات الطفولة ، أخذت أفكّر وأقارن وأحلّل بين زمن طفولتنا ، وطفولة أولادنا ، وبين الظروف والإمكانات التي عشناها ، والتي يعيشها أبناؤنا وبناتنا اليوم ، في السعة من الرزق ، والترف في الملبس والمأكل والمسكن ، فقلت يا عجباه لتلك الأيام !! كنّا نفرح بريال وريالين ، ونراه عطاءً كبيراً ، واليوم بعض أولادنا يحتقر ،العشرة والعشرين ، قد يقول قائل اختلفت الظروف ، وكانت الأسعار رخيصة وفي متناول اليد ، أمّا الآن فالوضع تماماً مختلف ، والحاجات مختلفة عن سابقها،
أقول له صدقت وهذا الواقع الذي نعيشه
لكن السؤال الذي نريد مناقشته ؟
هل لدى أولادنا القناعة التي كنا ، نعايشها ؟
هل اهتمامهم الآن كاهتمامنا سابقاً ؟
الليل والنهار ، زمنهما واحد يمران على حياة البشر ، فلماذا هذا التباين ، في الأفكار والطرح والثقافة ، إن أول أسباب هذا الفكر والسلوك ، هو التعلق بالماديات ، حيث أصبحت هي الغاية التي ينشدها أفراد الأسرة ، وليست الوسيلة التي بها الراحة والاطمئنان ، إن القناعة كانت مسيطرة على السلوك ، والأخلاق ، بل كان الإثيار له نصيب كبير في التعامل ، مع الآخرين ،قريباً أم بعيداً ، لقد غاب هذا الخُلق ، في زمن التنافس على الدنيا ، ونشود الكماليات ، وكأنما ، لسان الحال يقول ( نفسي ، نفسي ) إن الأبناء والبنات
جُبلوا على التقليد والمحاكاة ، والتطبيق
لما يعايشونه ؛ صباح مساء ، من سلوكٍ وأخلاق ٍيرونها من الأبوين ، لأنهما القدوة في نظرهما ، فإذا كان الأبوان كريمين ، يغلب عليهم ، البذل والعطاء ، والأخلاق الفاضلة في تعاملهم مع الناس ،
تشبه بهم الأبناء ، فترسخت في سلوكهم
مكارم الأخلاق ، فتولدت القناعة ، وأصبح الإيثار سهلاً ، على النفوس ، مما يحدّ من
الهم والحزن ، على فوات عرضاً من الدنيا ، لم يتحقق ، أو خوف من مستقبل ، في تحصيل مطلوب ، وبذا تتحقق الراحة النفسية ، والطمأنينة القلبية ، فتسود السعادة والراحة كيان الأسرة بأكملها .
ولعل من أفضل الوسائل التي يمكن تدريب الأبناء عليها ، ليكتسبوا خُلق القناعة والإيتار ؛ كلّف ابنك أو ابنتك ، بمهمة ، واعطه عليها مقابل مالي ؛ ثم اشرح له فضل العطاء ، والقناعة باليسير
والإيثار ، وتحاور معه ، ما رأيك نطبق هذا الخُلق ، أنا وأنت ، أنا اعطي اختك كذا ، وأنت تعطيها ماتراه مناسب ، لا تفرض عليه ، حتى لو أعطاها أقلً القليل ، شجعه على ذلك ، وبين له أجر ذلك العطاء ، ولا تحتقر ما أعطى لأنه في مرحلة تدريب ، وفي المقابل اطلب ممن أُعطي الشكر والثناء للمعطي .
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي
مقالات سابقة للكاتب