يانفس قد عدتي !!!

في غرفة العمليات الجراحية ، ترى العجب العجاب .. فريق من الأطباء والممرضين ، بشتى التخصصات ، أنواع من البشر ، كل يشكي همّه ووجعه ، والكل مستسلم ؛ ومترقب ، على ذلك السرير الأبيض ، ينظر يميناً وشمالاً ، فلا يرى إلا تلك الأجهزة الطبية المتنوعة ، ينظر إلى السماء ، يكرر النظر ، يعود إليه البصر ، يتذكر ربه ، يخلص له وهو في حالة ، اضطرار ، وفزع ، وخوف ، ربي ! إلهي ! ، يتذكر حاله الذي مضى ، تلوح له الصحة التي عاشها ، يمرّ عليه شريط الذكريات ، حسنة كانت أو غيرها ، يشعر بتقصيره في حق الله تعالى ،وربما حقوق العباد ! إلهي ! أين أنا ؟

وما أنت صانع بي ؟ ، كل هذه الخواطر والتخيلات ، تأتيه متسارعة ، لأنه يرى حركات الفريق الطبي حوله ، يسارعون في الإعداد والتجهيز ، وهو مستلقي على سريره ، مسلم أمره إلى الله ، يفكر أهي آخر لحظات عمري بالدنيا ، أهناك رجعة بعد هذه العملية ، أهناك صحة مثل الأول ، أهناك عودة للأهل والأصحاب ، لكنه ، مغلب جانب الرجاء ، يستغفر ويتوب ، ويدعو الله بالعافية والسلامة ، وسرعان مايقوم الفريق بواجبه ، يتحدثون معه دقائق ، ويعطونه ، جرعة المخدر ،يسير في جسده ، يغيبه عن الوعي ، لساعات ، ويعملون له ما قدر الله عليه ، ثم إذا أراد الله له بقية عمر ، أفاقه بعد انتهاء العملية ومدة المخدر ، فيفيق مذعوراً ، مرتجفاً ، يا إلهي ! أين أنا !!

ماذا فُعل بي ؟ هل أنا في حُلم ، ماذا صنعوا ؟ وماذا عملوا ؟

فيأتيه الطبيب ، حمداً لله على السلامة ، ويطمنه بنجاح العملية ، ويفرح وينسى آلامه ، وأحزانه ، ويتحسس نفسه ، هل فعلاً عادت نفسي ، بعد هذه الغيبوبة ، ثم ، يرى ويسمع من أهله ، وإخوانه وزملائه ، وأصحابه ، التحميد بالسلامة ، والدعاء ، وكأن الجميع في حالة عرس من الفرح والبهجة ، بسلامة هذا المريض ..

موقف قد يمّر على الإنسان ، ويعايش أحداثة ، أو قد يرى من يقرب له ويعزه ، قد مّر به ، لكن سؤالي ، هل استشعر هذا المريض بعد هذه المرحلة الحرجة التي مرت به ، أن الله قد كتب له عمراً جديداً ، وقد عادت له نفسه !!

فكم من البشر ؛ يعيش في غيبوبة طويلة ، الله العالم متى يفيق منها ، وكم من البشر دخل المستشفيات ، ومنها لم يعد ، وكم منهم ، من لا يزال يصارع المضاعفات والإبتلاءات ، فحمداً لله على سلامة كل مريض ، ولعل من أصيب ، أن يستشعر عودة نفسه للحياة ، فيقول ، ها يا نفس قد عُدتي فاعملي صالحاً .

 

 

د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “يانفس قد عدتي !!!

نويفعة الصحفي

من النعم التي قد لا يشعر بها كثير من الناس ولا يقدرونها قدرها نعمة العافية، وما أدراك ما نعمة العافية بل أن بعضهم لايستشعرها الا اذا زار مريضا أو عند المرض فكم من إنسان يرفل في ثوب العافية، لكنه يغفل عن شكر المنعم جل جلاله ولا يدرِك قيمتها لا من فقدها؛ فالعافية إذا دامَت جُهِلَت، وإذا فُقِدَت عُرِفَت لذتُها وانكشفت متعتُها، وقد قيل
: العافية هي الملك الخفي.
ولا غنى للإنسان عنها أبداً؛ فهي من أجلّ نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه؛ ومن دعائه صلى الله عليه وسلم المتكرر دائماً: (اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي حَتَّى تَجْعَلَهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي فِي دِينِي وَجَسَدِي) 
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الميت: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه)
ولهذا على المسلم أن يلهج لسانه دائماً بحمد الله أن عافاه حتى لو فاته من الدنيا ما فاته . اسأل الله أن يشفي كل مريض ويمتعنا بالعافية .
مقال قيم ووقفه كلنا بحاجه لها شكراً لكم دكتور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *