عنوان هذه المقالة، عندما يُنطق أو نسمع به، يكون مدلوله واضحًا ولا يحتاج جهدًا للتفسير.
ولكن الذي يحتاج جهدًا للتفسير هو المشاعر والإحساس بهذه العبارة، حيث يختلف الإحساس بها من قائل وآخر، ومن سامع وآخر.
والشعور بهذه الجملة والعبارة يكون في بعض الأحيان كخبر تقرأه دون أي تأثير، وأحيانًا بتأثير ينتهي بمجرد نهاية السطر.
لكن عندما يكون الفارس محمد بن عاقل البشري، لحظة خبر انتقاله إلى جوار ربه،
في هذه اللحظة بالذات، توقفت المشاعر، وأصبح الإحساس بلا إحساس، والخبر وهوله أكبر من كل التعابير. لم تعد جوارحنا كما نعرفها، أصبحنا شواخص بأبصار متقلبة للسماء تارة وللأرض تارة أخرى، وفي خضم هذه المعركة مع هول الصدمة، لم نملك أي شيء، أي شيء سوى لسان ناطق وجفاف يعتريه، ولا يردد سوى: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
واتجهنا نحو المستشفى لكي نتثبت من الخبر، وكان الطريق طويلًا طويلًا، وكأنه دهر من الزمن.
وعندما دخلنا، وجدنا الوجوه تشبه حالنا، وألسنتهم بنفس منطوقنا، ولم نصل إلى مرحلة الاستفاقة. وذكره رحمه الله بالدعاء والمغفرة حتى التقيت بالابن ماجد، وكان حزينًا مؤمنًا ومصابًا محتسبًا. وكعادته، يلتفت لمن حوله بعبارات فيها رباطة جأش، وفيها إيمان بالقضاء والقدر، وفيها كل معاني التسليم: “ادعوا له بالرحمة، ادعوا له بالرحمة”.
لأنه يعلم، برباطته وصبره واحتسابه، تذكير للجميع بالقضاء والتسليم.
ومؤمنًا بأن الفقد لم يكن له فقط، بل لإخوانه واعمامه أيضًا، لكن الفقيد محمد بن عاقل هو فقيد الجميع. وكيف لا وهو الشخص المربي والمعلم الفاضل، والشخص الاجتماعي الواعي المبصر بأحوال منطقته وأهلها؟
وهو الذي بمحضره يكون العلم والمعرفة والتجارب. وهو الذي بذل وأنفق في وجوه الخير، وهو الداعم للشباب في المنطقة في كل محفل. وهو الذي يتلمس الحاجات. رحمك الله يا أبا ماجد، تركت أثرًا وراءك يُستنار به، وتركت إرثًا مليئًا بالفخر والاعتزاز لا تمحوه السنين. وذكرى عطرك تفوح بكل لحظة يُنطق بها اسمك.
رحم الله الشيخ محمد بن عاقل، رحمه الأبرار، وأسكنه مساكن الأخيار.
عزاؤنا لأبنائه وإخوانه وجميع أهله، وعزاؤنا لأنفسنا، وعزاؤنا لمحبيه الذين هم كثر، وعزاؤنا فيه أكبر.
لقد ترك من بعده رجالًا نهلوا من تجاربه وتروّوا من آدابه وتعلموا من حكمته.
وختامًا، لتقصيري وأسفي عن حروفي، لا أجد إلا قول الله تعالى:
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
تركي صالح البشري
مقالات سابقة للكاتب