🖋️يشرع في بداية العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الإعتكاف في المساجد بلزومها والتفرغ للعبادة فيها وسؤال الله تعالى من فضله والتعلّق به وتجريد القلب عن كل ما يحول بينه وبين ربه عزوجل ، قاصداً رضاهُ وفضله .
إنا قصدناك والآمالُ واقعةٌ
عليك والكلُ ملهوفٌ ومُبتَهِل
قال تعالى: ﴿وأنتم عاكفون في المساجد﴾
قال ابن سعدي – رحمه الله – : “دلت الآية على مشروعية الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وانقطاعاً إليه، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد”.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – :
“المقصود من الاعتكاف : عكوف القلب على الله تعالى، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه، ويصير الهم كله به”.
وليس للاعتكاف مدة معينة كما قرر ذلك جمهرة من أهل العلم .
قال الإمام النووي – رحمه الله – :
(ينبغي لكل جالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف ، سواء كثر جلوسه أو قل ، بل ينبغي له أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف ، وهذا الأدب ينبغي أن يعتنى به ، ويشاع ذكره ، ويعرفه الصغار والعوام ، فإنه مما يغفل عنه).
وقال ابن مفلح رحمه الله في “الفروع” :
”ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائما.”
وسئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – :
الجلوس في المسجد ساعة هل يسمى اعتكافاً؟
فقال : (نعم،إذانواه).
والاعتكاف سنة، وهو من العبادات التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، فعنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ” (رواه البخاري ومسلم).
ولكي يحقِّق الاعتكاف هذه المنافعَ الروحية، فإن هناك أمورًا ينبغي للمعتكف أن يفعلها:
1- أن يحرص على عدم كثرة الخروج من المسجد إلا لحاجة ضرورية .
2- اعتزال مجالس الأنس والسمر، فلا يكون الاعتكاف سببًا في اجتماع الناس وأخذهم في أطراف الحديث، وضياع الأوقات في كلام لا يفيد .
3- تحرِّي ليلة القدر، والسعي الجاد للحصول على ثوابها: من أعظم ما يفعله المعتكِف أن يتحرى هذه الليلة حتى يحصل على أجرها؛ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه».
ليصدق فيهم قول القائل:
يُحْـيُــونَ ليـلَهــمُ بطـاعـة ربِّهم
بتلاوة وتـضرُّعٍ وســــؤالِ
وفي الاعتكاف أيضاً حماية القلب من جرائر فضول الكلام ، لأن المرء غالباً يعتكف وحده ، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء ونحو ذلك .
وقد كان ﷺ يدخل معتكفه قبل غروب الشمس فإذا أراد مثلاً أن يعتكف العشر الأواسط دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي عشر ، وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين .
ومن مقاصد الاعتكاف :
– تحري ليلة القدر .
– الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره .
– إصلاح القلب ، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته .
– الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن .
– حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات .
– التقلل من المباح من الأمور الدنيوية ، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها .
ومما يثلج الصدر ويفرح القلب ما نراه من الإقبال على هذه الطاعة “الإعتكاف” من قبل بعض النساء وفيهن فتيات في مقتبل العمر تجد الواحدة منهن ممسكة بمصحفها تقرأ أو تصلي ماتيسر لها من النافلة أو ساجدةً تدعوا.
وفي “الإعتكاف” تتجلى مظاهر التكافل الاجتماعي بين المعتكفات فهذه تأتي بأنواع الطعام أو الشراب ؛ وأخرى بالقهوة والتمر والشاي ، وثالثة بالمجامر لتبخير المسجد بالعود وتطييبه ، مما يظفي على هذه الأجواء بالألفة والتحاب والتآلف في ليالي هذه العشر المباركة .
فينبغي للمعتكف الإنقطاع عن الإشتغال بالخلق ومجريات الحياة وتفريغ القلب من متعلقات الدنيا ؛ والإشتغال بطاعة الله تعالى والتفرغ التام لعبادته وما يقرب إليه من الطاعات والأعمال .
اللهم وفق عبادك الصائمين والقائمين والعاكفين لما تحب وترضى من الأقوال والأفعال .
🔘 إضاءة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الاعتكاف:
”ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى”.
كتاب “شرح العمدة” (٧٠٧/٢).
✍️ منى الشعلان
٢١ رمضان ١٤٤٦هـ
مقالات سابقة للكاتب