ما أعظم أن يمنّ الله على الإنسان بأخ لا يكتفي بلقب الأخ، بل يُجسد معنى الأب والرفيق والسند في كل لحظة من الحياة…
ليس كل من وُلد من رحم أمك يُسمى أخًا بالمعنى الحقيقي؛ فهناك أرواح خُلقت لتكون سدًا منيعًا، وملاذًا آمنًا، ويدًا إن امتدت، كانت بلسمًا ودفئًا.
أيدٍ خُطّت بمداد الحنان، وسُقيت بماء الوفاء، وربّت على القلوب حتى اطمأنت وسكنت.
كان – وما زال – ظلًا وارفًا في زمنٍ اشتد فيه القيظ… فرغم أنه أخي الأصغر، فإن قلبه الكبير جعلني أشعر دوماً بأنني الأصغر، وأني أمانةً لا تغفو عنها عينه، ولا يهدأ له بال حتى يطمئن على نبضي.
في زمنٍ شحّت فيه الحنية، وقلّ فيه الوفاء، ظلّ هو الاستثناء النادر…
حين يكون الأخ امتدادًا لوالدٍ، فيكون أبًا بعد أب، وصوتًا لصدى الأب وإن لم يرحل، وسندًا لا يُشترى بثمن.
فهو نعمة لا توصف، ورزق لا يُقدّر.
ذلك الأخ الذي لم يكتفِ بالمحبة، بل ارتدى عباءة الأب، يمارس الأبوّة توجيهًا، واحتواءً، ورعايةً، وصبرًا.
لا يُكثر من الكلام، لكنه يقول الكثير بأفعاله…
يقف في الظلّ ليدعم لا ليظهر،
يرهق روحه في صمتٍ ليرتاح من يحب،
ويهدي حنانه بسخاء، وكأنه أبٌ ثانٍ بعد الأب.
رغم أن والدنا ما زال حيًا، فإن غيابه، سواء بسبب السفر أو أي ظرف آخر، لم يجعلني أشعر يومًا بأن السند قد غاب.
ذلك الأخ هو السند الحقيقي بعد الله…
العَضُد المتين الذي لا يميل ولا ينهار،
ملازماً لي كروحي، ركيزةً لا تهتز، وقوةً لا تفتر.
يمرّ على يومي كما يمر النسيم على الأرواح:
هادئًا، لطيفًا، لكنه يترك خلفه سكينةً لا تُنسى.
يراقب بصمتٍ محب، ويتدخل بحكمة قريبة،
يمهّد الطريق، ويزيح الغبار قبل أن يُرى،
يُتقن فنّ العطاء دون إعلان،
وفنّ التوجيه دون إحراج،
وفنّ الحضور حتى في الغياب… لأن أثره باقٍ في القلب والعين والدعاء.
ما أبهى أن يُرزق الإنسان بأخٍ يُشبه الأب،
ويفيض حنانًا كأخٍ صادق،
ويملك حزم القائد…
روح اختارت أن تزرع الطمأنينة في دروب من تحب،
وتكون له كما الجبل: لا يميل، لا ينهار، لا يخذل.
في لحظات الوهن… كان هو القوة.
في الحيرة… كان هو من يرشدني.
في الانكسار… كان هو التوازن.
بكلمة… بنظرة… بصمتٍ يحمل كل شيء.
ليست الأخوّة رابطة دم فحسب، بل رابطة فعلٍ ووقفةٍ ووفاءٍ لا يشيخ…
وفي حضرة هذا المعنى، لا أملك إلا أن أقول:
الحمد لله الذي وهبني نعمة أخٍ كان لي كهارون لموسى،
سندًا في الشدائد، ورفيقًا في الطريق، وعضدًا لا يُعوّض.
كم مرة بكيت، فكانت يده تمسح دموعي، وهمسه يطمئن: “لا تخف، أنا معك”…
وكم مرة تهت، فكان حضوره قبسًا من نورٍ يهديني الطريق…
وكم مرة أصابني اليأس، فوجدت في ابتسامته أملًا، وفي ضحكته حياة.
تعلمت من أخي الحبيب دروسًا لا تُنسى:
في الحب بلا شروط،
في العطاء بلا مقابل،
وفي الصدق بلا انتظار.
وإن سُئلت: ما جزاء هذا الأخ؟
أقول كما قال العزيز الجبّار:
“وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟”
كتبه: نوار بن دهري
NawarDehri@gmail.com

مقالات سابقة للكاتب