تعبتكم معي ؟!!

خلقنا الله في هذه الدنيا لنعبده، فهو رازقنا ومُحسنٌ إلينا، وأمرنا أن نسير على طريق الحق وألا نتبع خطوات الشيطان التي تجرنا إلى الضلال والهلاك.

رغم أن الحياة قصيرة، إلا أننا نجد أنفسنا غارقين في صراعات ومشاكل، نشهد قصصًا مؤلمة عن قطع صلة الرحم، وتدمير الحسد لعلاقاتنا وأرواحنا.

والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من الوقوع في هذه المعاصي، وأخبرنا بأن الموت واقع لا مفر منه، وأن كل نفس ذائقة الموت.

وفي زمن يكثر فيه الحسد وتقطع فيه الأرحام، وتهب الفتن التي تفسد القلوب، نجت أختي أم وليد بحمد الله من هذه العواصف، وكانت حصنًا منيعًا للإيمان والصبر، ولم تدع لليأس أو الحقد مكانًا في قلبها.

تحملت الابتلاءات برضا واحتساب، وابتعدت عن كل ما يشغل القلب عن ذكر الله وطاعته، فكانت مثالًا حيًا لمن سار على درب الحق رغم قسوة الأيام وظلمات الدنيا.

في اليوم الذي دخلت فيه المستشفى، عرفنا الحقيقة الصادمة بأن أختي أم وليد مريضة بالسرطان، وأن المرض قد انتشر في جسدها، وأنها تحتضر. فكان الخبر صعبًا كالصاعقة على قلوبنا، وكأن الدنيا قد انقلبت في لحظة.

ذهبنا إليها في غرفتها، وكانت تكافح التعب والوجع بصمت، وطلبت منا كوب ماء وحبة دواء مسكن للألم، وكأنها تريد أن تخفف عنا قسوة اللحظة ببراءتها ورقتها. عندما ذهبنا أنا وأخي لنلبي طلبها، نظرت إلينا بابتسامة وجع خافتة وقالت لنا: “تعبتكم معي.”

كانت تلك الكلمات كالسهم الذي اخترق قلوبنا، وبكينا دون حبس، لأننا فهمنا حجم المعاناة التي كانت تخفيها عن الجميع، وحجم الحب الكبير الذي كانت تحمله وتكتنه لنا رغم ألمها.

إلى أختي الغالية أم وليد، التي رحلت ولكنّها لم ترحل من قلوبنا أبدًا،يا من حملتِ في قلبك صبرًا عجيبًا، وابتسامة لم تغادر شفتيك رغم الألم الذي مزقك من الداخل،يا من كنتِ البحر العميق من الأسرار والحنان،يا من علمتِنا معنى الصبر والاحتساب في وجه المحن،لقد كنتِ لي أكثر من أخت، كنتِ رفيقة الطفولة، وحاملة أحلامي الصغيرة،كبرتُ عليكِ بفارق 7 سنوات ، فكنتِ بين يديَّ كزهرة نمت بعناية، لعبتُ معكِ وضحكنا معًا،وكنتُ فخورًا بكِ وأنتِ تتعلّمين وتشرقين نبوغًا وذكاءً لا يُخفى،كنتِ النبوغ الكبير في عينيّ، وقصيدة من نور في سماء حياتنا،أختٌ بين أخوات، لا تشبه إلا نفسها، ولا تعوض في القلوب أبدًا.

كانت لك أخوة يكبرونك بــ 25 عامًا، لكنكِ كنتِ لهم أكثر من أخت صغيرة،كنتِ بنتهم، رضعتِ حنانهم ولعبتِ معهم، نمتِ كزهرة نادرة في وسط الأسرة،

أسعدت ِالجميع بابتسامتك وبراءتك، وأحبك كل من عرفك، فقد ملأ حبك المكان دفئًا لا يُنسى.

أتممتِ تعليمك الجامعي بجد واجتهاد، وصرتِ معلمة كيمياء تبثين العلم والمعرفة في طريق طالباتك على مدار السنين الطوال بدون كلل أو ملل. 

بمحبتك الكبيرة جمعتِ شمل الأسرة، ووضعتِ جسور المحبة بين الجميع، وكنتِ رمز الوحدة والوئام، تجمّعت تحت سقف واحد عائلتان بقلب واحد،لا غربة ولا خصام، بل مودة ورحمة تدوم.

أرادت أختي وهي تصارع المرض المميت أن تؤمن مستقبل أولادها، فاستقرضت من البنك وأعانها زوجها الكريم لتبني بيتًا يحمل أرقى الأثاث وأجمل التفاصيل،بيتًا ملؤه الحب والدفء، لم تسكنه هي، لكنها تركته لهم أمانًا وحماية، إرثًا يبقى لهم رغم رحيلها المبكر.

أختي الحبيبة، أخفت عن العالم مرضها أربع سنوات كاملة، ولم تبوح بسريتها إلا لزوجها فقط،لتُبقي على قلوب من يحبونها بعيدًا عن الحزن والهم.

أخفَت ألمها وحزنها حتى لا يذرف أحد دمعة على تعبها، و لا تثقل قلوب من يحبونها،وحتى لا يشعروا بالألم الذي تحمله في صمتها. ولم نعرف الحقيقة إلا قبل وفاتها بيوم واحد فقط ؟!،عندما أخبرنا الأطباء أن السرطان قد انتشر في جسدها كله، وأنها تحتضر.

كنتِ بارة بوالديك، تحملين لهم كل حب ووفاء، ولم تشتكي يومًا،رغم ما حملته من ألم وصبر في صمت، كنتِ مثالًا للصبر والاحتساب،والقوة في وجه المحن، ولم تسمحي لليأس أن يسرق منك روحك الجميلة.

في أيامها الأخيرة، كانت أم وليد تحمل في قلبها أعباء الألم والصبر، لكنها لم تفقد تواضعها ورقتها أبداً.

قبل دخولها المستشفى بأيام قليلة، حضرت مناسبة زواج، كانت بين الحضور وهي في قمة الألم، تحمل هديتين؛ واحدة للعروس، وأخرى لأم العروس.

كانت صابرة محتسبة، تتحمل الألم بهدوء وجلد، تُظهر للحياة وجهها المشرق رغم كل ما يعصف بها من عواصف وتحديات. 

هي تلك الروح النادرة التي تعلمنا منها أن الشجاعة ليست في أن لا نتألم، بل في أن نبتسم رغم الألم، ونحب رغم الحزن، ونواصل العطاء رغم التعب.

ها نحن اليوم نودعك بعيون دامعة وقلب مفجوع، نودعك وأنتِ في رحلتك الأخيرة إلى دار السلام،

دار لا ألم فيها، لا مرض، ولا فراق،دار الرحمة التي وعدنا الله بها، حيث اللقاء الأبدي والسكينة الدائمة.

أختي الحبيبة، كيف لي أن أحتمل فراقك وقد تركتِ خلفك ذكريات لا تمحى، وأطفالًا يحتاجون لحنانك الذي لن يعود؟كيف أتحمل أن أراكِ تغادرين دون أن تودعيهم بكلمة حب، دون أن تهمسي لهم قبل الرحيل؟كيف أخبرهم أن الحياة قصيرة، وأنها لم تكن تستحق أن نغفل عنها للحظة؟

لقد كنتِ معلمة في الحياة، علمتنا درسًا لا يُنسى،

أن القوة الحقيقية في الصبر،وأن الحب الحقيقي لا يحتاج للكلمات، بل يُشاهد في الأفعال والابتسامات رغم الألم.كنتِ صامدة، تخبئين ألمك عنا، تكتمين سرك وحيدًا،كنتِ تُحاربين في صمت، لا تريدين أن تثقلي على من تحبين،وكأنكِ تقولين لنا: “لا تبكوا لأجلي، كونوا أقوياء، فهذه الدنيا فانية.”

اليوم، دموعنا ترويك، ودعواتنا ترفرف حولك،

اللهم ارحم أختي سمية برحمتك الواسعة، واغفر لها زلاتها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة،اللهم اجمعنا بها في الفردوس الأعلى من الجنة، حيث لا فراق ولا ألم ولا وداع.

يا من كانت روحك نورًا في عتمة الأيام،يا من كانت ابتسامتك الشمس التي تشرق في ليالينا المظلمة،

نمِ قريرة العين في جنات النعيم،فنحن نحبك، وندعو لك، ولن ننساكِ أبدًا.

اللهم اجعل صبرنا على فراقها طريقًا إلى مرضاتك، وارزقنا القوة لنكمل دربها بمحبة وإيمان.

اللهم آمين.

وفي الختام، نسأل الله العلي العظيم أن يتقبل أختنا الحبيبة أم وليد بواسع رحمته، وأن يجعل مثواها الجنة بغير حساب، وأن يرزقنا جميعًا الصبر والسلوان على فراقها.

علّمنا رحيلها أن الحياة قصيرة، وأننا كلنا في رحلة إلى دار لا رجعة منها، فلتكن ذكراها نورًا يضيء لنا الطريق، وصبرها قدوةً نحتذي بها في مواجهة الابتلاءات.

نسأله سبحانه أن يجمعنا بها في الفردوس الأعلى، حيث لا فراق ولا ألم، ويمنحنا القدرة على محبة بعضنا وإصلاح ذات البين، والتمسك بحبل الله المتين.

اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين، وارزقنا حسن الخاتمة، واجعل موتنا على طاعتك، واجمعنا بأحبائنا في جنة عرضها السماوات والأرض، آمين يا رب العالمين.

نوار بن دهري

NawarDehri@gmail.com

مقالات سابقة للكاتب

18 تعليق على “تعبتكم معي ؟!!

د. ايمن عبد العزيز

ما أروع هذا النص الذي نطق بالوفاء وامتلأ بعبق المحبة، فكان كلوحة من نور تُخلّد ذكرى أختكم أم وليد، تلك المرأة العظيمة التي جمعت بين الصبر النادر والإيمان العميق، فصارت قصة حياتها درسًا خالدًا لكل من عرفها أو قرأ عنها. لقد رسمت بكلماتك ملامح إنسانة استثنائية، تحدّت الألم بابتسامة، وواجهت قسوة المرض بثبات المؤمن الموقن بلقاء ربه. هذا ليس مجرد رثاء، بل شهادة حق ووسام شرف على جبينها، ورسالة لكل قلب أن الطهر والبر لا يرحلان مع الأجساد، بل يبقيان أبد الدهر نورًا وهداية. نسأل الله أن يرفع درجتها في عليين، وأن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى بغير حساب.

سعيد

رحمة الله عليه وغفرله وجعل داره الجنه

أ.جوهره معلمةكيمياء

الله يرحم رسميه ام وليد ويتجاوز عنها قضيت معها ٣ سنوات في مدرسه نخال والله لا اتذكر منها الا الابتسامه والهدوء والرزانه وحسن التعامل مع الجميع ..اسال الله ان يرحمها ويرفع منزلتها في جنة عرضها السموات والارض ويصبركم ويربط على قلوبكم ،،

عبدالناصر الزهيري

يمكنك التعبير عنها هكذا:

رحم الله أختي الغالية المعلمه المخلصة التي كانت لنا أختًا حانية ورفيقة قريبة أكرمتنا بحبها واهتمامها وصبرت على المرض بصمت ورضا تحرص على ألا تحزننا حتى رحلت بهدوء تاركةً في قلوبنا ألم الفقد وعبق سيرتها الطيبة مع أهلها وزملائها وجيرانها وكل من عرفها

ساره

رحمها الله رحمة واسعة وادخلها الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب وجمعنا بها في جنات النعيم صديقتي الصدوقة… مازلت احتفظ برسائلها الخطية في زمن لم تظهر فيه التقنية بعد.. كانت تسطر أروع العبارات وأجمل الحكايات تكتب لي تفاصيل يومها وتسرد لي أخبار المدرسة و المواقف المضحكة مع زميلاتها بالصف وتبعث لي بسلام أخواتها بعد أن فرقتنا الظروف.. ستظل ابتسامتها عالقة في مخيلتي وحبها ثابت في قلبي وسأتعهدها بالدعاء لأنه يترجم صدق المحبة والإخاء.. ربط الله على قلوبنا جميعاً

غير معروف

الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته انا لله وانا اليه راجعون ويرحم جميع اموات المسلمين والمسلمات يارب ويرحمنا إلى صرنا إلى ما صاروا إليه اللهم آمين يارب العالمين آمين آمين آمين يارب 🤲

..

معلمتي الحنونه درستني ثلاث سنوات ما اذكر مره شفتها معصبه او متأففه .. دايم ابتسامتها على وجهها مهما كانت الظروف.. فُجعنا بموتها واعتصر الألم قلوبنا رحمها الله وجعل كل حرف علمتنا إياه في ميزان حسناتها وربط على قلوبكم وقلوبنا

غير معروف

الله يرحمها ويغفر لها ويجعل الجنة دارها
واسأله ان يربط على قلوب اولادها واهلها جميعاً
كانت خير معلمة خلال مسيرتي الدراسية
الله يجمعنا فيها بجنات النعيم ..

نوير

رحم الله معلمتي الغاليه رسمية كانت ونعم المعلمة المتواضعة الراقيه المتعاونة الرزنية جمعنا الله بها في جنات النعيم لم اتذكر منها الا كل خير ولن انسى ابتسامتها 😭😭😭

Hano

اسال الله يعوضها جنات عرضها السموات والارض ومالدنيا الا كبد وتعب لعل الله اختارها لتكون بدار اجمل وافضل مماكانت عليه 😪

أم حسام الغامدي

أختي يا رفيقة العمر ورفيقة الدرب الطويل، وهل يوجد أجمل من أُختٍ تشاركينها الضحك واللعب وحتى الشجار وما هي إلا دقائق وتعودون وكأن شيئاً لم يكن؛ ولذلك علينا أن نرسم لأنفسنا أجمل الذكريات وأجمل المواقف قبل الفراق، وفي هذا المقال عبارات عن فراق الأُخت. عبارات عن فراق الأُخت اللهم ارحم أختي فقيدتي وحزن قلبي الأول وعوّضها عن كل ألم أصابها في الدنيا. فقيدتي أختي، لا يقاس رحيلك بأي وجع لكن معرفتي بأنك في مكان أجمل تحت رحمة ربّ رحيم تملأ القلب طمأنينة رغم غصة الفقد

إقرأ المزيد

حنان الغامدي

رحمك الله يا من رحلت لدارٍ أفضل من دارنا، طبتي في جنة الفردوس نعيماً اللهم ارحم اختي واغفر لها. اللهم ارحم أختي بعدد ما صلّى عبادك وعدد مارفعت الأيادي لدعائك يارب …ولا أملك إلا أن أقول أحسنو لمن تحبون فان الشوق بعد الموت لا يتحمل 💔
أسألك يا الله ألا يصبح ذكر أختي منقطعًا مهما طال الزمان، وألا تنقطع عنها دعوات الرحمة والمغفرة من حيث لا نحتسب.
اللهم ارحم سمية واكرمها غاية الإكرام يارب احسن إليها بفضلك واجعل لها جنة الخُلد وكوثرها وانهارها وظلالها حيث النعيم الدائم الذي لا ينتهي يارب …

مصلح الغامدي

الله يرحمها ويغفرلها ويتجاوز عنها ويسكنها فسيح جناته وعظم الله اجركم في صبركم

شريفه الغامدي

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يسكنها الفردوس الأعلى من الجنة وأن يصبر كل من فقدها ويعوضهم خير

ادعوا لصاحبة التعليق

الله يرحمها ويتجاوز عنها وأن يجعل قبرها نوراً وفسحةً وسروراً
وأن يرزق أهلها الصبر والسلوان
وأن يغفر لنا ذنوبنا ويجعلنا من الصابرين المحتسبين

N Ghamdi

اللهم إني أتوسل إليك وأسألك بأنك الوهاب والقوي والغفور والرحيم أن تهب لأخت زوجي من لدنك رحمات ونفحات طيبة، وأن تنزل عليها غيث لطفك، وتشملها بعظيم عطفك يا الله. يا رب أنزلها منزلاً مباركاً فأنت خير المنزلين واجعلها من عبادك الناجين من سخطك والفائزين بمرضاتك، واجعلها من أصحاب الجنة والنعيم.رحمك الله ياطيبة القلب ياحسنة المبسم جملك الله بحسن الخلق في الدنياوصفاء القلب ونسأل الله أن تكونين ضاحكة مستبشرة في جنات الخلد عزاءنا هو ثناء الجميع وتقديرهم ومحبتهم رحمك الله يامن أعطتنا درسا ًلاينسى في العطاء في الصبر ..

غير معروف

أسأل الله رب العرش العظيم ان يرحمها ويغفر لها ويجعل مثواه الجنه يآرب العالمين

أم اليزيد

اللهمَّ اغفر لصديقتي بقدر اشتياقي لها، ربي عطّر قبرها برائحة الجنة. اللهم ارحمها واجعل جنة الفردوس داراً لها يارب وجميع أموات المسلمين. اللهم أنزل على قبر صديقتي سمية ضياءً يؤنس وحشتها وينوّر مضجعها، واغفر لها يالله وعوض شبابها بالجنة يا رب العالمين. واجمعنا بها في يوم لا ظل إلا ظله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *