في قلب كل إنسان ضعف خفي مهما بدا قويًا ومتماسكًا، وفي أعماق كل روح شعور بالحاجة إلى سند وعزوة تقويه وتضيء له الطريق وسط ظلال الحياة المتقلبة. فالقوة الحقيقية ليست في الانفراد بالمواجهة، بل في من يمد لك يده حين تتعثر، ومن يقف بجانبك بصبره ودفئه حين تنهار الحياة من حولك. هذه الروابط الإنسانية العميقة ليست ترفًا عاطفيًا، بل هي شريان حياة يمنحنا الأمان والمعنى، ويجعل رحلتنا في الدنيا تستحق العيش بكرامة وطمأنينة.
قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، فالتماسك والاعتصام بالحب الإلهي والمودة بين الناس هو القوة الحقيقية التي تحمينا من الانكسار. فالإنسان بلا عزوة أو سند، يبقى كالشجرة بلا جذور أو كورقة تتقاذفها رياح الحياة سرعان ما تذبل وتسقط.
خلال رحلتي في الحياة واجهت تحديات قاسية أفقدتني اتزاني وسقطت مرات عديدة. شعرت أحيانًا أن الأرض تخلو من أي أمان وأن الزمن يختبر قوتي بلا رحمة، لكن كانت هناك أيادي ممتدة تنقذني، أغلبها أيادي عائلتي الذين لم يخذلونني يومًا. حينها فهمت أن العائلة ليست مجرد روابط دم، بل روح تمتد فينا، وجذر يربطنا بالحياة، وحصن يحمي قلوبنا من برد الغربة والوحدة.
والعزوة ليست مجرد سند في لحظة ضعف، بل هي معنى الحياة ذاته. ومن رزقه الله بعائلة تحمله على أجنحة الوفاء والحب الصادق فقد نال أعظم نعمة تستحق الشكر دائمًا.
كذلك فإن الصحبة الصالحة والسند الحقيقي في حياتنا هي من ترفع معنوياتنا وتعيننا على الصعاب.
والصديق المخلص في هذه الحياة كنز نادر، وواحة تمنحنا الظل والماء حين تحترق أيامنا بحرارة التحديات. وإذا وجد الإنسان صديقين مخلصين، فليعلم أن معجزة قد حدثت في حياته، لأن اجتماع الإخلاص والوفاء والصدق في أكثر من شخص أمر قلما يحدث. أما الحب الطاهر فهو الذي يمنح القلب دفئًا والروح أمانًا دون انتظار مقابل. فالعائلة والحب والصداقة هم من يجعلون للحياة معنى وقيمة، ويجعلون الإنسان قادرًا على مواجهة الصعاب والتحديات بثقة وطمأنينة. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”
وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 82]، فالإيمان والعمل الصالح مع من نحب يعطينا أمانًا وسعادة حقيقية في الدنيا والآخرة.
في هذا الأسبوع ودعت عملي وانتقلت من حضن العمل إلى حضن العائلة، ومن عالم اعتدت عليه إلى عالم جديد يملؤه الأمل والدفء. أتتني رسائل واتصالات أثْلجت صدري تحمل الحب والتقدير والصدق، وقد خرج الحب المختبئ تحت الستار فجأة مفاجئًا قلبي، وانهمرت دموعي حين شعرت بصدق ونبل المشاعر. لقد تعلمت أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا صدق، وأن العواطف الصادقة، سواء كانت حبًا، أو صداقة، أو تقديرًا مهنيًا، هي ما يعطي للحياة طعمها الحقيقي ودفئها الذي لا يُقدّر بثمن.
وفي ختام هذه الرحلة، أدركت أن الإنسان مهما امتلك من قوة أو مال أو مكانة يظل ضعيفًا بلا عزوة صادقة، وبلا حب طاهر، وبلا أصدقاء مخلصين. النفوس التي تحيط بنا هي من تمنح الحياة معناها الحقيقي، وهي التي تجعلنا نقف بعد السقوط ونبتسم وسط العواصف ، وتملأ قلوبنا دفئًا وأيامنا نورًا. وكل يد تمد لنا العون، وكل كلمة صادقة، وكل قلب محب هو هبة ربانية لا يُقدّر ثمنها.
ويبقى الحب الصادق، والصداقة المخلصة، والعائلة الوفية، أعظم إرث يمكن أن يتركه الإنسان في هذه الدنيا، وهم الضوء الذي يضيء دروبنا مهما عتمت بنا الليالي.
نوار بن دهري
NawarDehri@gmail.com
مقالات سابقة للكاتب