لكل إنسان في حياته ذكريات ، تلك التي يصنعها مع كل من يعيش معهم من أسرته ، وأصدقائه أو في مسيرته العلمية والعملية ، أو من يصادفهم في هذه الحياة حتى لو كانت لحظات قصيرة ، فلكل منا ذكرياته ، منها السعيدة ومنها الحزينة .
ومنها ما أن تختلي بنفسك حتى يبتدي شريط ذكرياتك يمر أمامك لدرجة أنك أحياناً تستمتع بها وتبتسم وكأنك أول مرة تراها وتستذكرها ، كذكريات الطفولة بعفويتها وبساطتها مع العائلة والأقارب وحتى الجيران وصداقة المدرسة.
وكل ذكرى لها معنى جميل ، فعندما تسترجع ذكرياتك تبتدي بـ”صناعة ذكريات” جميلة كأنك ترتب كلمات ، أو تكتب تعبير جميل .
وهناك أشخاص لم نراهم لكن اللحظات التي قضيناها معهم بمحادثتهم أو سماع قصصهم أو القراءة عنهم كانت جميلة وسعيدة وكفيلة بالبقاء وترك بصمة في قلوبنا .
تركوا لهم في كل دار بصمة
ولهم بقايا الذكريات تجولُ
والذكريات لا ترحل ، فهي مقاطع خفية تعود لتوقظ القلب ، تارةً بالحنين ، وتارةً بالوجع ، لكنها تبقى الدليل على أننا عشنا بصدق .
ولا شيء يعدل الحنين للذكريات وللأشخاص والأشياء والأماكن! وهنا يأسرني وقوف النبي ﷺ على أطراف مكة وهو يودع روحه وقلبه ومشاعره ودياره ويسترجع شريط ذكرياته ويقول (والله إنكِ لأحب أرض الله إلىّ ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت).
ويستوقفني كذلك الدمع الذي جرى من عينيه ﷺ عند ذكرياته ووداعه لعمه حمزة رضي الله عنه ، وقوله ﷺ (على مثل هذا فلتبك البواكي) .
وتدهشني تلك الأشياء التي أشعر بأنها قطعة من ذكرياتي وروحي ، وبضعة من نفسي ومشاعري ، وجزءاً من أحاسيسي ، وما أصنع بوجد يحاصرني في الصباح الباكر ، وفي هدأة الليل ، وعند عواصف الذكريات؟!
ذكرياتٌ وكم تمرُّ الليالي
وفؤادي تثيره الذكرياتُ
********
كلُّ عامٍ يجرُّ عاماً فتمضي
وبقلبي ترقُّبٌ والْتفاتُ
وفي مسيرة الحياة اليومية ، ووسط ضجيج المسؤوليات وتسارع الزمن ، يغفل الكثير منا عن لحظات تمر مرور السحاب ؛ ولكنها تحمل بين طياتها معاني عظيمة ، وذكريات جميلة ، وتجارب ثمينة .
فالذكريات ليست مجرد صور قديمة أو كلمات باهتة ، أو أماكن عابرة ، أو مواقف واقعية ، أو أحداث تاريخيّة ، أو شخصيات منسية ، بل هي شريط حيّ من المشاعر والتفاصيل التي تُشكّل ملامحنا الداخلية وتلون نظرتنا للحياة .
فذاكرتنا تحتفظ بذكريات محببة لنا ، نغوص في تفاصيلها عند استذكارها مفعمين بمشاعر جياشة ، ينتج عن ذلك تشكيل قصص مبالغ فيها غالباً ، فالذكرى الجميلة – وإن كنّا نبالغ فيها – هي في الحقيقة شيء جميل نحتاجه كبلسم لجراحنا وآلامنا يرسم الابتسامة على محيّانا.
فلا بد من “صناعة الذكريات” لأنه فنّ نحتاجه لنعيشه بعمق ، فالزمن قد يبهت التفاصيل ، لكن الذكريات المصنوعة بعناية تبقى حاضرة ، كأنها حدثت بالأمس.
وإن من مقومات “صناعة الذكريات” والعيش معها ردحاً من الزمن وعدم نسيانها مايلي:
– الحب الصادق ..
– التربية الصالحة ..
– الصداقة والإخلاص..
– السعادة الحقيقية ..
– القراءة والتعليم ..
– الكلام الحسن ..
– الإهداء الجميل ..
– السفر والترفيه ..
– الوفاء والصدق ..
– حسن العهد ..
– طيب المعشر ..
و”صناعة الذكريات” هي أشبه ما تكون بألبوم الصور عند استرجاعها ؛ فالأيام تذهب وتبقى الذكريات الجميلة ، ويرحل أشخاص من حياتنا ، ويبقى عبق ذكرياتهم العطرة يعيش في أرواحنا ٠
وإنَّ المَـرْءَ في دُنْيَاهُ ذِكْرَى
فَدَعْ للناس خَيْرَ الذِّكْرَيَاتِ
فـ”صناعة الذكريات” فنّ نعيشه لا نملكه .. فازرع لحظتك بمحبة ، تُثمر عمرًا لا يُنسى .
نصنع الذكرى كحلمٍ في المدى
ننسج اللحظاتِ نورًا وندى
********
نحفظ الضحكات في صدر الزمن
مثلما يحفظ عطرًا في صدى
********
كل همسٍ بيننا صار الأمل
كل يومٍ مرّ، في القلب بدا
********
ربّما يمضي الزمانُ بنا سُرًى
غير أن الذكرى لا تعرفُ الردى
********
فازرعِ الفرحةَ، إنّ الزرعَ يُثمر
حين نروي القلبَ حبًّا وافتدى
وهنا لا بد أن نوثق كل ذكرى جميلة مرت في حياتنا .. صوّر ، واكتب ، واحتفظ ، وعش اللحظة بصدق.
فالذكريات الجميلة هي مرآتنا ، تصنع هويتنا ، وتمنح حياتنا طعمًا لا يُنسى ، ولا تتركها أسيرة للحزن والأسى ، بل اصنعها بقلبك ووعيك ، لأننا لا نتذكر الأيام بل نتذكر اللحظات ، فبدون ذكرياتنا لا حياة لنا ، فكلما أبدعنا في “صناعة ذكريات” جميلة في دوائر حياتنا ، ومع من حولنا من الأهل والجيران والأصدقاء ، كلما ازدحمت ذاكرتنا المستقبلية بها.
وعندما ننظر للخلف يوماً ما ، سنجد كماً هائلاً من المواقف والقصص والهدايا والحكايات والتي تشعرنا بأننا عشنا حياة ممتلئة بكل الذكريات الطيبة والمشاعر الجميلة .
إضـــــــ💡ــــــــاءة:
تنقضي الأيام ، ويتفرق الناس ، وتبقى “الذكريات” بين أمل وألم ، وبين سرور وندم ، ولا يبقى للإنسان إلا الخلق الحسن ، وما يقدم من معروف وذكرى!!.
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب