“ليست كل الأسئلة بريئة، فبعضها يترك في النفس جرحًا لا يُرى.”
في وقت تتسارع فيه وسائل التواصل وتتقاطع فيه العلاقات اليومية، يغيب عن البعض إدراك أن للناس خصوصيات وحدودًا يجب احترامها، وأن ما نراه سؤالًا عابرًا قد يكون في الحقيقة تطفلًا مؤذيًا يترك أثرًا نفسيًا لا يُمحى.
مثال : عادات اجتماعية مؤذية
رغم تطور الوعي في كثير من المجالات، لا تزال بعض السلوكيات تتكرر في المجالس والمناسبات دون تفكير في نتائجها، مثل:
- السؤال عن العمر وكأنه معيار للنجاح أو الإنجاز.
- الاستفسار المتكرر عن الزواج أو الإنجاب، دون علم بما يمر به الشخص من ظروف صحية أو اجتماعية.
- الحث على الزواج بأخرى في المجالس أو المزاح، مما يسبب إحراجًا وإيذاءً نفسيًا للطرفين.
- التعليقات على المظهر أو الوزن، التي تُقال بخفة دم لكنها تُحدث ثقلًا في النفس.
هذه الأسئلة والتعليقات وإن كانت تُقال بحسن نية، إلا أنها تمثل تدخلاً صريحًا في حياة الآخرين، وتشكل ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا عليهم، خاصة في مجتمع يُقدّر الروابط الأسرية ويعطي الكلمة وزنها الكبير.
الاثر النفسي والاجتماعي النتاج:
تشير دراسات في علم النفس الاجتماعي إلى أن الأسئلة الشخصية المتكررة تولّد لدى البعض قلقًا اجتماعيًا وتوترًا نفسيًا، وقد تدفعهم إلى تجنّب المناسبات خشية المواجهة أو الإحراج. كما تسهم في إشاعة ثقافة المقارنة والحكم على الآخرين، مما يُضعف الترابط الإنساني ويُفقد العلاقات عمقها وثقتها.
الضرر لا يتوقف عند الفرد، بل يمتد إلى المجتمع ككل، إذ يؤدي إلى نشر ثقافة الفضول على حساب قيم الذوق والاحترام، ويُفقدنا القدرة على التقدير الصامت والاحتواء الهادئ.
الحل :
الوعي – احترام الخصوصية ليس ترفًا اجتماعيًا، بل قيمة أخلاقية تدل على نضج الإنسان ووعيه. فليس كل ما يُعرف يُقال، ولا كل ما نجهله يجب أن نسأل عنه.
يمكننا استبدال الأسئلة الفضولية بعبارات ألطف وأعمق أثرًا مثل:
“الله يوفقك ويسعدك في حياتك.”
“أسأل الله يكتب لك الخير حيث كان.”
بهذه الكلمات، نمنح الآخرين مساحة آمنة، ونحافظ على دفء العلاقات دون أن نقتحمها بأسئلة لا نملك حق طرحها.
الخلاصة:
في النهاية، تبقى الخصوصية خطًا أحمر لا يحق لأحد تجاوزه. فالكلمة التي نراها بسيطة قد تُحدث شرخًا في قلبٍ لم ندرِ ما يحمله من ألم. لذا، لنتحدث بلطف، ولنسأل بلباقة، أو نصمت احترامًا.
تركي سالم الشريف
مقالات سابقة للكاتب