أخلاقيات السفر إلى الخارج

السفر نافذة الإنسان إلى العالم، يطل منها على حضاراتٍ وثقافاتٍ وتجاربٍ مختلفة، يزداد بها علماً ورؤيةً ونضجاً، غير أن السفر لا يعني الانفلات من المسؤولية، بل هو ميدان جديد تُختبر فيه أخلاق الإنسان وانضباطه واحترامه للأنظمة والآداب العامة.

فالمسافر الواعي هو من يُدرك أن الأدب في السفر لا يقل أهميةً عن الأدب في المقام.

منذ لحظة دخول المطار، تبدأ أولى اختبارات الذوق والالتزام.. فالنظام في المطارات ليس ديكوراً إدارياً فقط، بل هو منظومة دقيقة تحفظ سلامة الناس وتنظم سيرهم، لذلك فإن الالتزام بتعليمات التفتيش، واحترام طوابير الانتظار، والتقيد بالوزن المسموح للحقائب، لا يعد عبئاً بل هو دليل وعي وتحضر.

أما في الطائرة، فالأدب فيها صورة مصغرة للانضباط الإنساني: الالتزام بالأنظمة الأمنية، عدم إزعاج الركاب، المحافظة على النظافة، والإنصات إلى تعليمات طاقم الطائرة.. كلها مواقف صغيرة لكنها تعكس أخلاقاً كبيرة.
وفي القطار، يتكرر المشهد ذاته ولكن على الأرض؛ فالمقاعد محددة، والممرات ليست للفسحة والضوضاء، والهدوء يعني احترام الآخرين.

فالمسافر الحقيقي لا يكون مصدر فوضى أو تذمر، بل نموذجاً للرقي أينما رحل وحلّ.

ثم يأتي الجانب الأعمق: احترام قوانين الدول التي تسافر إليها ! فكل بلدٍ له نظامه، وكل شعبٍ له عاداته وتقاليده التي يجب أن توقَر وتُقدّر .. والاستهانة بها لا تتوقف عند سوء الخلق، بل قد تجرّ إلى اعتقالٍ أو عقوبةٍ لا يبررها الجهل أو الغفلة، فالعاقل من يتعلم قبل أن يسافر، ويقرأ عن وجهته، ويدخلها ضيفاً مؤدباً، لا ناقداً متعالياً.

ومع كل ذلك، يبقى فوق كل القوانين “قانون الله” .. فالمسلم لا يسافر ليخلع دينه عند بوابة المطار، ولا ليقترف ما حرّم الله بحجة البعد عن الأهل والرقابة.

الالتزام بالشريعة في السفر هو الضمان الحقيقي للسلامة، في الدنيا قبل الآخرة. فمن عصم نفسه عن المحرمات، وحفظ جوارحه عن المعاصي، بارك الله في سفره، ورزقه الطمأنينة.

باختصار، فإن السفر يعكس ذوق الإنسان ويكشف للجميع أخلاقياته والبيئة التي نشأ فيها، والتربية التي تلقاها في أسرته.
فكما يكون سلوك المرء في وطنه مقياساً لخلقه، فإن سلوكه في الغربة يكشف جوهره الحقيقي.
ومن جعل الاحترام عادةً، والانضباط خلقاً، والدين مبدأً، كان سفيراً مشرفاً لوطنه ودينه في كل مكان تطأ قدماه الأرض.

أحمد القاري

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *