عبداللَّه عمر نصيف

د. يوسف العارف

(*) في رثاء معالي الأستاذ الدكتور عبد اللَّه عمر نصيف (يرحمه الله).

(1) لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ نبأ (الوفاة صباح يوم الأحد 1417/4/20هـ الذي أرسله حبيبنا المثقف الكبير محمد باوزير عبر الجوال عن وفاة معالي الدكتور عبداللَّه عمر نصيف (يرحمه اللَّه) فبعد (الحوقلة) و (الترجيع) والبكاء الداخلي العميق، رحت في نوبة (واعية) من الذكريات والمواقف المشرفات مع عَلَم من أعلام ورموز بلادي السعودية !! مما يحتم على كاتب مثلي أن يشير إلى هذه الشخصية السعودية الفذة والمتميزة (يرحمه الله).

   أول ما خطر على لساني قول الحق سبحانه وتعالى: “يا أيتها النفس المطمئنة.. ارجعي إلى ربك راضية مرضية .. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

  وقوله تعالى: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”.

   ثم أردفت ذلك بأبيات شعرية (عزائية) قلت فيها :

نباً أتى، فتزلزلت أركاني

 وانهدَّ من ألم الفراق كياني

****

لمَّا سمعت بأن (عبد اللَّه) احتسى

 كأس الموت.. فلذت بالخسران

****

أيموت (عبد اللَّه) من سمعت به

 أرض الحجاز .. وسائر الأوطان؟!

****

رجل عليه من المهابة سمتها

 ومن الأناسة جوها الروحاني

****

حاز المروءة والسماحة والتُّقى

 وعلى المحيَّا.. شاهد الإيمان !! (1)

(2) عبداللَّه عمر نصيف/ أبو عمر (يرحمه اللَّه) أيقونة هذا الزمان.. عرفته وتشرَّبْتُ قيمه وسلوكاته ومعارفه منذ أن قدمتُ إلى جدة موطناً في العام 1396هـ، يوم كان وكيلاً لجامعة الملك عبد العزيز ثم مديراً لها منذ العام 1400هـ. وكانت دراستي للماجستير في قسم التاريخ بنفس الجامعة هي حلقة الوصل بيننا كطلاب دراسات عليا، وبين الأستاذ الدكتور عبد اللَّه نصيف كمسؤول في الجامعة يلتقي بنا، ويطمئن على سير دراستنا، ويحل ما يصادفنا من مشكلات دراسية. وكان نعم المدير/ القيادي، والمسؤول الأمين (يرحمه الله).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من قصيدة رثائية أرجو أن تكتمل فأنشرها فيما بعد (إن شاء الله).

   وكانت لقاءات التعليم ومؤتمراته تحظى بمتابعته ومشاركته حضورياً وآخرها ذلك المنشط الثقافي الذي أقامته إدارة تعليم الكبار/ التعليم المستمر وكنت مديراً لهذه الإدارة التابعة لإدارة تعليم جدة. وكان منشطاً تربوياً/ ثقافياً تحت شعار (تعليم الكبار .. جودة واستثمار في 1434/5/26هـ ، وكان ضيف الشرف معالي الأستاذ عبدالله عمر نصيف، الذي شارك في ندوة حوارية عن تعليم الكبار بين الماضي والحاضر (2).

   ولا أنسى (في هذا المقام) استضافة معالي الأستاذ الدكتور عبداللَّه نصيف يرحمه اللَّه في أول ندوات الأسبوعية لصاحبها البروفيسور عبد المحسن القحطاني التي كانت انطلاقتها مساء الأحد 1423/4/17هـ وقدم محاضرة تحت عنوان: محطات في حياتي.. ذكر فيها كثيراً من الدروس والعبر والتجارب التي مر بها في الجامعة أو الرابطة أو الحوار الوطني (3).

   وتنقل معاليه في وظائف الدولة ذات الثقل الوطني، والعالمي والإنساني فمن جامعة الملك عبد العزيز وإدارتها، إلى رابطة العالم الإسلامي أميناً عاماً، ومنها إلى مجلس الشورى نائباً للرئيس فيما بين 1413هـ و 1422هـ حوالي (تسع سنوات متتالية)، وبعدها تفرغ لمشاركاته وعضوياته في الهيئات الخيرية والإنسانية، والمجالس الإسلامية العالمية، ولعل من أبرزها رئاسته للإتحاد العالمي للكشاف المسلم منذ مرحلته الدراسية الثانوية، ثم عشائر الجوالة في الجامعة، ثم في القيادات الكشفية المحلية والعربية والإسلامية والعالمية. وقد كان من أبرز الرموز العالمية الذين جمعوا بين الفكر والخلق والمثالية، وكان الصوت المسموع والرمز المضيء في كل هذه الفضاءات الكشفية !!(4).

***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) أنظر الصورة المرفقة.

(3) أنظر الصورة المرفقة.

(4) أنظر الصورة المرفقة.

(3) وبعد أن تقاعد من العمل الحكومي، والوظائف الرسمية، أسس منتداه الأسبوعي (الأحدية) عام 1422هـ والتي كانت صالوناً ثقافياً متميزاً .. ويعقد جلساته الحوارية والإثرائية بعد المغرب إلى العشاء كل يوم (أحد)، وقد شهدت حضور ومشاركة الكثير من القامات العلمية والدينية والسياسية والاقتصادية. وأذكر أنني حظيت بتقديم محاضرة فيها بدعوة من الأستاذ الدكتور عبدالله عمر نصيف (يرحمه الله) عن أدب الرحلات إلى الحج وما فيها من طرائف وجماليات !!

   ولا يدهشك في هذه القامة العلمية والمعرفية إلا تواضعه وحسن سمته وحفاوته بكل من يزوره، وقضاء حوائج الناس على اختلاف المشارب والحاجات.. وفوق ذلك تلك الابتسامة الهادئة والصافية والصادقة التي تنبئ عن قلب مفطور على المحبة والكمال والإنسانية والأخلاق السمحة الفاضلة.

   يرحم الله فقيدنا ، ويسكنه فسيح جناته .. ولا أملك في هذه العزائية/ الرثائية إلا ختامها بهذا النص الشعري:

غاب عنا بوجهه السمح نور

أين من فيض نوره النَّيِّرانِ

****

فتعصَى الكلام وامتنع الشعر

فنهر الدموع كالطوفان

****

أين مِنَّي البيان أغمس فيه

ريشة الفن وردة كالدهانِ

****

كتب الموت علينا يا حبيبي

كل شيء على البسيطة فانِ

****

أي رزءٍ جديد طبق الكون

أحال الوجود.. كالبركانِ

****

فإذا الأفق لوحة من سوادٍ

وإذا الجو لُجَّةً من دخانِ

****

يشهق العصر بالتَنهُّدِ حزناً

ويئن التاريخ بالأحزانِ (5)

***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) من قصيدة رثائية لشاعر الجننوبس محمد أحمد عقيلي (يرحمه الله).

(4) ويا (أبا عمر) عشت بيننا ضياء ونوراً/ ومحبةً وعطاءً/ يذكرك القريب والبعيد، فوجهك المشرق بابتسامته الصافية/ الصادقة، وجهودك وجودك وسخاؤك مضرب المثل والقدوة، وتواضعك المهيب دليل على ما تحمله نفسك من ثقة وشموخ تمتد أسرياً من أجدادك الأوائل وحتى أحفادك الأواخر، صاحب الوسطية والاعتدال والدعوة إلى التسامح والتعايش وكنت بذلك رمزاً محلياً وعالمياً بهذه الروح المعطاءة والنفس الوثابة صدقاً وعطاء لا يعرف الانكسار . كنت مثالاً للمدافع عن القضايا المصيرية الوطنية والإسلامية، داعياً إلى الحوار والتفاهم والتثاقف على حضارة الآخر وثقافتهم، وكل ذلك في إنسانية متجذرة، ولطافة حس حجازية ناضجة ورقي ذوق وأحلاق إسلامية سامقة !!

   رحمك اللَّه وأسكنك فسيح الجنات وألهم أسرتك وذويك ومعارفك ومحبيك ونحن أولهم، جميل الصبر والاحتساب، والدعوة لك بالغفران والرحمات وإنا للَّه وإنا إليه راجعون!!

والحمد لله رب العالمين.

جدة مساء الأحد 1447/4/20هـ

إلى مساء الأثنين 1447/4/21هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) وفي ذات السياق والفواجع (الرئائية)…. جاءنا نبأ وفاة الجار العزيز ورجل الأعمال الموفق صاحب الروح الندية والكرم الحاتمي الأخ محمد قاسم بنون، وذلك صباح يوم الاثنين 1447/4/21هـ، بعد معاناة طويلة مع المرض (يرحمه الله)، وقد صلينا عليه صلاة الجنازة في الحرم المكي بعد صلاة الظهر يوم الاثنين المذكور أعلاه. يرحمه الله ويرحم أموات المسلمين.

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *