ذنْب طاهر !!

عندما أنتهي من كتابة أي مقال , أجده يبدأ غامضاً وينتهي حالماً , تارة أقول بأن المقال يمثلني , وتارة أقول بأني لا أعرفني , هل أنا أنا ؟!

أظن بل أجزم بأن من يتحكم بخاصية الكتابة لدى الانسان هو العقل الباطن , وها أنا عندما بدأت تمكن داء الحنين إلى الماضي ( النوستاليجا ) مني , ورحلنا إلى الماضي سوياً , طفنا شتى البلدان ومختلف الحضارات , لم يستوقفني منها سوى الفقر الذي كان يعيشه آباؤنا , والذي قال عنه عمر رضي الله عنه ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) , إلا إنهم كانوا عزيزي الأنفس قانعين بالقدر متفائلين بالمطر , بحثت فلم أجد لذلك الفقر العفيف تعريفاً يرويني أو عن التفكير فيه يثنيني , فقررت أن أعرفه بنفسي :

” الفقر ” هو تنهيدة الرضا , والوجه الأبيض للعنا .

” الفقر ” هو لجوء إلى المنفى , وفرح بلا مرسى .

أحببت الفقر بسببهم فقررت أن أعيشه , لعلني أحاكي بريقهم , وقبل أن أخوض التجربة أردت أن أقنع نفسي فتمعنت في حال الأغنياء ( الطبقة المخملية ) وتحسست أحوالهم , فوجدت أن معظمهم يعزفون الفرح نشازاً بلا مقام , وأن أتقنوا عزف الفرح فإن من يشاركهم العزف ثلة من المتملقين الأشقياء المعروفين بسوءهم , يا ترى أي فرح هذا !؟

بل إنهم محسودون حتى في عزائهم لأن نصيبهم زاد بالتالي ابتلاءهم زاد , وإن أبتلي أحدهم بمرض سريري لايرجى شفاؤه , يؤمن لنفسه أو لمن يحب أجهزة تنعش قلبه فقط عشرات السنين , طوال هذه الفترة تتسمر عينا ذلك الغني أمام تلك التموجات الخضراء , يسامر الشقاء .

بل إن الأغنياء لا يحلمون لأنهم يملكون كل شيء من أي شيء , ” والحياة من دون حلم , صلاة من غير وضوء ” ,

يا ترى أي حياة هذه !

يقول أحمد شوقي : ( الغنى ظل زائل ) .

أيها الأغنياء أنتم كالورود ولكن للأسف ورود فقدت عبيرها بلا رائحة , السعادة بالنسبة لكم كومة قش تود النفاذ من ثقب إبرة , الغنى بين قوسين هو ( ذنب طاهر ) .

فلنتخلص جميعنا من هذا الذنب الطاهر , ولنمتطي ذلك الفرس العربي الأصيل ( الفقر ) , ذو الجبهة العريضة والغرة البيضاء ( الصدق ) , ومنخاران واسعان ( الصبر ) يساعدانه على الركض بلا تعب , وصدر ضخم وجسم متناسق ( مسرج بالقناعة ) , طريقه للنصر محتوم .

للفقر فوائد لم ولن نسمع بمثلها أبداً , وهي :

الفقر يصنع منا ملحدين بكل عادات البذخ المرفوضة دينياً , لذلك نحن أول الملحدين الصادقين .

يستوجب علينا التلذذ بالفقر فهو شغف وشرف لا يناله الجميع , فمشاغلنا المحدودة منحتنا الوقت الكافي لصلة أرحامنا بالتالي تزداد أعمارنا .

بل إن الفقير يموت مطمئناً , فهو لا يملك أموالاً تشتت أبناءه بعد رحيله .

إن كنت فقيراً تستطيع أن تحلم , بالتالي هنالك فجر قادم ، وابتهالات باسمة .

في الفقر لا يوجد هدايا زائفة ومقارنات , في الفقر نطوق من نحب بطلاسم عشق صادقة لا يحلها سوى الموت .

الفقر جنة المرأة , لأن الزوج ليست لديه القدرة على الزواج من غيرها , بالتالي ضمنت جنتي الدنيا والآخرة إن أحسنت لهما .

يا ترى , هل هناك من يشكك في روعة وأناقة الفقر؟!

فليحكم أمرنا للدين , نحن الفقراء نسلك منهج الأنبياء ونشابههم في هذا الجانب فنحن إذا متنا لا نورث شيئاً ,

وهم كذلك : قال عليه الصلاة والسلام (( إنا معاشر الأنبياء لا نورث )) .

بل إن الفقير يسبق الغني في دخول الجنة بخمسمائة عام إن تساوت أعمالهم , فالغني يؤخذ منه ماله كله , ويسأل عنه كله ,

أما الفقير ليس لديه مال يسأل عنه , قال الرسول عليه السلام ( يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم , وهو خمسمائة عام ) ..

يا ترى , هل أحببتم الفقر؟!

إذا فلنصبح فقراء لننال غنى الأنفس مع من سبقونا, ولكن لابد من تنفيذ ما قاله عمر المختار :

( كن عزيزاً وإياك أن تنحني مهما كان الأمر ضرورياً , فربما لا تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرة أخرى ) .

أخيراً : إن أصبحنا فقراء حقا ، فهنيئاً لأرجوحة الفرح بنا .

 

مشهور عبدالعزيز الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

13 تعليق على “ذنْب طاهر !!

محمد الرايقي

ماشاء الله عليك ايه المبدع
مقالا يجعل النائم يصحى ، والصاحي يتأمل
مقارنة بين ضدين أحدهم مذموم والآخر محمود ومحبوب
وانتصرت للضعيف والكسير .
واقنعتنا بتحليلك المنطقي وبلغتك السهلة الرقراقة بأن الفقر مطلب أن أردنا الراحة في السؤال بعد الممات أو نزع فتيل الفرقة بين الأسر عند الإرث والتوريث ، وثقة الزوجة بأن زوجها الفقير قلبه لايحمل إلا امرأة واحدة وليس متعدد الأدوار.
انت بحق فخر لنا بتواجدك في الصحيفة ناثرا جمال ابداعك وروعته .
لك خالص الود أستاذ : مشهور الصحفي

متعب الصعيدي

{يا ترى , هل هناك من يشكك في روعة وأناقة الفقر؟!]
بعد مقالك هذا لا :)
دمت متألقاً ع الدوام يا صاحب الفكر المستنير والأسلوب العذب المشرق

أم البنين

يكفي الفقراء فخراً أن رسولنا الكريم اختار أن يعيش فقيراً
بعد أن عرض عليه أن يعيش ملكاً غنياً فاختار حياة الفقراء
مقال متميز ماشاء الله تبارك الرحمن

ابوباسم

سلمت وسلمت بنانك لقد قلت فأبلغت في القول.
فهل تعيها أذنٌ واعية…؟

دواس

الفقر آفة ، والأمم تتسابق في مواجهته ، والحد من عدد الفقراء ، فسنّت القوانين كالرعاية الاجتماعية والضمان لمواجهة الفقر ومساعدة الفقراء ، وأظن أنه من العار أنه يوجد فقراء حول العالم لايجدون مايسد رمقهم في وقت يصرف العالم الأموال على شراء السلاح ، وقول الإمام علي ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته ) هو قول بليغ لخص فيه ألم الفقر ووجعه . الفقر عار وأثم على البشرية جمعاء .

غير معروف

أخي مشهور ( سقراط غران )
مقالاتك لا تقرأ ؛ عباره عن صور وتشبيهات آسره .. ( ذنب طاهر ، لجوء الى منفى ، حياه بلاحلم ..صلاه بلا وضوء ؛ طوق من طلاسم . والكثير ) لو لم أقرأ لك سابقا لقلت بأنك سارق محترف ..ولكن بالفعل انت سارق محترف انت بقايا العظماء فأنت تسلب عقولنا وقلوبنا ، هذه المره أحببتنا بالفقر ياترى المقاله القادمه بماذا ستقنعنا …

ابوعاصم

مشهور لا جديد ! مبدع كالعادة !
لكني أدعوك لترأف بنا قليلا وتحدثنا ببساطة أكثر فلانحتاج لأن نقرأ كل سطر مرة أو مرتين حتى نستوعب ! عفوا أتحدث عن نفسي فقط . فئة واسعة من قراء الصحيفة يريدون منك أن تناقش قضاياهم وتحدثهم عن همومهم . فهل تفعل ؟ علما بأني من أشد المعجبين برشاقة قلمك . زاداك الله رفعة وعلماً .

حلم رمادي

حتى الأغنياء لديهم أحلام وليس بالضرورة كلها مادة !
الحلم يبقى حلماً لأنه هدف ورسالة وغاية
تختلف من شخص لآخر ولايهم من أي طبقة جاء !

ثم ليس فخراً أن نرضى الفقر !
وليس فخراً أن نتكيء على جدار يكاد ينقض !
وأمام أنظارنا رُزم الإسمنت !
الرضى بالقدر لايعنى البقاء في نفس المكان
والزهد لايعنى أن نحيا حياة التغشف ونحن نملك الخيار للأفضل !
لو رضينا الفقر جميعاً ماقامت حضارات ولا شُيدت مدن ولااستقام نظام !
ولو تأملنا حال التاريخ أكثر العصور المظلمة هي عصور الجهل والفقر وكلما تفشى الفقر في بلد جر معه الجهل صاحباً وونيساً !
وحتى زمن الفتوحات الإسلامية ماكانت إلا وقت نهضة الإسلام وإنتشار العلم حين كنا أمة تهابها الأمم !
حينما كان عمر بن عبدالعزيز يضع القمح على سفوح الجال خوفاً أن تشتكي الطيور الجوع ! فلم يرضى للطيور الفقر !
وحينما بقيت حضارة الأندلس حتى يومنا هذا تشهد قوتنا بالأمس !
كيف نرضى الفقر ونحن نقرأ دبر كل صلاة ” اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر ”
‎كيف لنا أن نرضى الفقر وعبرات الكثير تنهمر عجزاً عن
‎شراء علبة الدواء !
كيف لنا أن نرضى وهناك من يقف تحت حرارة الشمس كل يوم مضطراً ترك دراسته ليسد رمق أهل بيته ! وحرم من أبسط حقوقه !
كم وقف الفقر حاجزاً منيعاً سد في وجوه الكثير أبواب
الأمل ، ونثر فوق الآمال تراباً !
ليس ذنب المرء أن يولد فقيراً وليس عيباً
لكن ذنبه إن عاش عمره فقيراً وهو يستطيع !

محمد الصحفي

مشهور
أنت مبدع لكن لك مجالك الذي تتميز فيه
أنت كاتب رمزي خلك على هذا الخط لأنه مجالك الذي تبدع فيه
وهو مجال قل من يستطيعه
أترك المقالات المباشرة كهذا المقال فالكثيرون يستطيعونه
ارسم خطك المميز وانثر عيله إبداعك

عبدالله

الفقر والغنى ابتلاء من الله لعباده
فبعضهم لو أغناه الله لطفى لذا يجعله الله فقير رحمة به
وبعضهم لو أفقره لكفر فيؤتيه الله الغنى رحمة به
ويختبر كل شخص بما آتاه
والفقر ليس عيب كما أن الغنى ليس فخر
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

أبو زياد

أجدت وأفدت
لكن الغنى للرجل الصالح خير
في الحديث نعم المال الصالح للعبد الصالح
يوجد أغنياء في مجتمعنا لهم أوقاف كثيرة ولهم أيادي بيضاء على الفقراء
كالشيخ الراجحي والشيخ العقيل والشيخ عبداللطيف جميل والشيخ المحيسني وغيرهم كثير

مشهور عبدالعزيز

شكرا للجميع من القلب تعليقات زينت المقاله بعبيرها ورونقها ، وأضافت للمقاله ولي الكثير ؛
الأغنياء لهم الفضل بعد الله في تجهيز الجيوش سابقا ونشر الاسلام حاليا ، ولكن أهلا بالفقر والفقراء ما داموا سينتجون لنا عقولا نقية الأنفس غنية بالعلوم ، وهو الطريق الأسلم في الحياة وبعد الممات …
( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب )…

أخيرا :
((( إن كان الغنى ذنب طاهر ، فالفقر حلم أسود )))
دمتم بود ..

غير معروف

الاخ مشهور
اتعبت نفسك في البحث عن المفردات والجمل والامثلة
والمسألة لاتحتاج لكل هذا الاسغراب والغموض
واتعبت الاستاذ عبدالرحمن ليقرأ السطر مرة ومرتين
يكفيك عن هذا كله حديث الرسول صل الله عليه وسلم الذي ذكرته
عن الفقراء وحالهم
كما انك وسمت الغنى بالذنب الطاهر والااعلم كيف يجتمع الذنب
والطهر !؟ الا عند الفلاسفة !
الحقيقة والغاية التي تريد ايصالها للقارىء وهي الحنين للماضي وبساطة الناس وفقرهم
وحياتهم البعيدة عن المنغصات وتعقيدات الحضارة والمدنية سهلة جداً لاتحتاج
الى ( النوستاليجا ) التي لم نجدها في مفردات اللغة
التعبير عن مافي نفس الانسان ومايجده في هذه الحياة هموم خاصة به حلها بين العبد وخالقه سبحانه
اتمنى لك التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *