على مدار الاثنين وسبعين ساعة الماضية سجَّل أبناء غران خاصة ومحافظة خليص عامة ومغردون شرفاء لانعلمهم الله يعلمهم، إنجازًا سيبقى في الذاكرة طويلًا بوصول تغريداتهم للترند ثلاث مرات متتالية؛ ليرتفع سهم صوتهم بالحق عاليًا عبر أقوى وسائل التواصل الاجتماعي تأثيراً بالعالم ( توتير ) ليقول للمسؤول وبصوت عالٍ : نحن هنا بمحافظة خليص لدينا قضية شائكة تقض مضاجعنا وتهددنا بالتهجير من ديارنا، لقد نجح شبابنا في أن يسمع من في آذانهم صممٌ فاسمعوا وأسمعوا العالم بأن هنا كارثة حقيقية ستقع إن لم يتدارك أمرها ، فاسمعها يامعالي الوزير.
كان أهالي خليص وغران يعيشون بأحياء قرب مزارعهم في بطون الأودية بحكم أن ديارهم زراعية وهم يعملون بها، وفي ذات ليلة من عام 1395 هـ داهمتهم السيول من كل جانب فأتت على المزارع وجرفت المنازل وأغرقت البشر والدواب وأصبح القوم في صباح ذاك اليوم حفاة عراة ، وكأن القيامة وقعت من هول الموقف وكابة المنظر ، فلا تكاد تسمع سوى أنين ولا ترى سوى عوائل تبحث عن بعض من فقدوا ولو شاهدتهم وهم يهرولون ذات اليمن وذات الشمال بحثاً عمن فقدوا لهالك الأمر واستدعتك الأحزان .
فقد جرفت السيول العشرات منهم إلى حتفهم .. لقد كانت ليلة عصيبة أليمة مفجعة يتذكرها الآباء اليوم بكل مرارة وحسرة ويتألموا على فقد الأحباب، وأمام هذا الوضع المؤثر قامت الدولة مشكورة بكامل واجبها فآوت النازحين وسارعت في نجدة العالقين، وأهم قرار اتخذته آنذاك أن خصصت شريطًا بعرض 2 كم وطول 30 كم يقع مابين ” غران ” جنوبًا وحتى ” الفيصلية ” شمالًا بالناحية الغربية للمحافظة ليكون سكنًا بديلًا لأهالي خليص وغران ومكانًا آمنًا من مخاطر الكوارث والسيول ، لكي لا تتكرر المأساة ثانية، وكان أمام المواطنين خيارين لا ثالث لهما إما البقاء وسط الأودية وبالتالي تهديد السيول ، أو الرحيل والخروج بعيدًا عن مزارعهم إلى المكان الأكثر أمنًا، فكان الاختيار الثاني هو الأكثر صوابًا، فخرجوا زرافاتٍ و وحدانًا يحدوهم الأمل في حياة يعيش فيها الإنسان بأمل بلا ألم ولا وجع.
وهناك بذلك الشريط الذي حدده ولي الأمر أسسوا منازلهم ولك أن تعلم أن غالبيتهم كانوا يشتغلون بالزراعة وقليل منهم من ذوي الدخل المحدود ، وبعد أن طاب لهم المقام وأحسوا بالأمان وآنسوا الحياة أتاهم الخوف والفزع من حيث لم يحتسبوا بل أتاهم الموت البطيئ إذ توافدت عليهم مخرجات المدن وزحفت عليهم ملوثات البيئة الناتجة عن إقامة المدن الصناعية وورش السيارات والصناعات الخفيفة والأدهى والأمر ” المستودعات ” وما أدراك ما المستودعات ! وما أدراك ماهي مخرجاتها وآثارها ! خاصة على مدن صغيرة ذات مناطق محددة النمو.
لقد فُجع الأهالي بخروج تصريح لمستثمر لإنشاء مدينة لوجستية في غران لهذا الغرض تفوق مساحتها أضعاف أضعاف ماخُصص للمخططات السكنية وبمساحة تقدر بـ 5 ملايين متر مربع وبواقع 2700 مستودعًا ! يا للهول ! وتقع بمحاذاة الأحياء ووسط بعضها بل وتحد نموها وامتدادها العمراني ، هذا فضلًا عن مخرجاتها الكارثية على البيئة، إنها كارثة رهيبة تختل معها التركيبة السكانية وتنذر بالتهجير القسري لامحالة أو العيش وسط بيئة موبوءة تبث سموها وترمي بشررها فتهلك الحرث والنسل، مما حدا بأحد كبار السن أن قال “لو استدبرت من أمري ما استقبلت لآثرت البقاء بجوار منزلي وسط الأودية تجرفني السيول فأموت غريقًا ولا أموت مسمومًا ! ولن أقبل الحياة في بيئة ملوثة قيل لي يوماً أنها ستكون آمنة !”.
معالي وزير الشؤون البلدية والقروية هاهو صوت الحق يعانق السماء يدعوك صباح مساء أن تستدرك الأمر وتزور المحافظة لتقف على الوضع قبل فوات الأوان، واستمع لصوت أبناء محافظة خليص يناديك برقي وتعقُّل وفِكر متفتح ناتج عن ثقافة عالية شهد لهم بها مستشار خادم الحرمين الشريفين حينما أشاد وافتخر بإنسان هذه المحافظة ورقي أهلها ودعا الغير لزيارتها ، فحقاَّ عليك أن تسمع صوت أبنائها وحقاَّ عليك أن تلبي النداء.
أحمد عناية الله الصحفي
مقالات سابقة للكاتب