السيرة النبوية غنية في كل مواقفها وأحداثها أقوالاً وأفعالاً ، فهي ” قدوتنا” علماً وتربية، خلقاً وسلوكاً، فمن يتتبعها ويعيش معها، يجدها ثرية لعمليتي التعلم والتعليم، يستطيع المعلم من خلالها ممارسة دوره داخل الصف بشكل فاعل ومؤثر في طلابه…. من ذلك ما يعيشه الميدان التربوي منذ سنوات من تعزيز لمشروع التعلم النشط وتطبيق إستراتيجياته. وهنا أوصي بعدم تضخيم هذين المفهومين للمعلمين لدرجة التعقيد، فدورنا تبسيطهما قدر الإمكان، فالتعلم النشط ببساطه هو أنشطة يُعِدها المعلم وينفذها داخل الصف بإجراءات محددة تسمى ” إستراتيجيات” ينتج عنها إنهماك الطلاب وتفكيرهم.
قرأنا عدداً من الكتب والدراسات والقراءات التي تتحدث عن الإستراتيجيات التدريسية المناسبة للمناهج وطرائق التدريس وبالمعلم والمتعلم وعن تطويع البيئة لتنفيذها داخل حجرة الصف.
لكن مٓن يتتبع سيرة المصطفى المعلم الأمين، خير “قدوة” يجد أنها مرصعة بذهب التعليم، ولؤلؤ العلم، وعماد التربية، وأن الإستراتيجيات التي صال وجال بها الميدان ماهي إلا نتاج الهدي النبوي الكريم منذ أكثر من ١٤٣٠ عاماً، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُدٓرِس أصحابه بألوان متعددة من الطرائق والأساليب:
– تارة يكون سائلاً، وتارة مجيياً.
– تارة يعلم بطريقة الكتابة، وتارة بطريقة الرسم، وتارة بالتشبيه أو التصريح.
– تارة بطريق الإبهام والتلويح.
– تارة يمهد لما يشاء أن يعلمه تمهيداً لطيفاً، وتارة يسلك المداعبة.
– تارة يسلك سبيل المقاربة بين الأشياء.
– تارة يشيد إلى عللها لذكر جوابها.
– تارة يسأل أصحابه وهو يعلم ليمتحنهم بذلك.
– تارة يسألهم ليرشدهم إلى موضع الجواب، وتارة يلقي إليهم العلم قبل السؤال.
هناك العديد من المواقف النبوية التربوية والتعليمية التي تدل على أن إستراتيجيات التدريس الحديثة كما يدعون، لم تكن حديثة وإنما دلنا عليها المعلم والمربي الأول لجميع الأمم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال مواقفه عليه السلام مع أصحابه رضوان الله عليهم ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
العصف الذهني وإثارة الأسئلة والتكرار وتغير الموقف التعليمي، وأسلوب التشويق، واستخدام الوسائل التعليمية.
في حديثه صلى الله عليه وسلم لصحابته ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها، حتى قلنا ليته سكت”.
وقال صلى الله عليه وسلم” أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا دينار له ولا متاع،…إلى آخر الحديث” ( إستراتيجية العصف الذهني).
أيضاً استخدام أسلوب التشويق الذي حدث قبيل غزوة حنين عندنا أخبرهم صلى الله عليه وسلم بأن أحداً سوف يحمل راية التوحيد غداً ولم يخبرهم باسمه.
أيضاً ربط صلى الله عليه وسلم التعلم بواقع الحياة عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا.
وهي تقدر على ألا تطرحه، قال:
{الله أرحم بعباده من هذه بولدها }
كذلك استخدام الوسائل التعليمية عندما حدث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا، وَخَطَّ عَنْ يَمِينِهِ خَطًّا، وَخَطَّ عَنْ يَسَارِهِ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا فَقَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ، وَقَرَأَ {أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}
وكل هذه المواقف النبوية تدل على أن عملية التعليم عملية حيوية متحركة أكثر من كونها ثابتة، يتطلب التجديد والتبديل والتطوير، مما يدل على أن النمو المهني والمعرفي للمعلم هو قوام المعلم الناجح، ويتحقق ذلك عندما يهتم أولاً بالقراءة في تخصصه، ثم الاطلاع على كتب طرائق التدريس وأساليبه وإستراتيجياته، ومن لم يستطع القراءة، فإنه بالتأكيد يستطيع البحث مستخدماً المواقع الإلكترونية، وفي نظري أن موقع اليوتيوب يُعد الآن من أفضل وأسرع الوسائل التي تساهم بقدر مؤثر وفاعل في تطوير مهارات المعلم الجاد، والتعرف عن كثب بتنوع التعليم وتعدد طرائقه، خاصة إذا احتسب المعلم علمه وعمله لله وحده، فقد وصف الإمام الغزالي – رحمه الله – المعلم بأنه نور من أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم يصلح للاقتداء.
وآخر وصاياي لزميلي المعلم هي ألا يكثر من التحدث داخل حجرة الصف،وألا يستأثر بوقت الحصة الدراسية على حساب طلابه وأنشطة الدرس، وألا يتحدث أكثر من طلابه، فلقد كان الرسول صلى الله عليهم أفصح الناس لساناً، وأوضحهم بياناً، وأوجزهم كلاماً.
وقال البلغاء: ” كل علم كثر على المستمع ولم يطاوعه الفهم، ازداد القلب به عمى”.
وقد أوصى سيدنا الخضر إلى نبي الله موسى عليه السلام ” ولا تكونن مكثار المنطق مهذراً، فإن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدئ مساوئ السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد”.
خاتمة: ” زميلي المعلم .. تأكد أنك تستطيع….”
عيد سمران المرامحي
مقالات سابقة للكاتب