حياتنا تسير دائمًا بناء على ما نتخذه من قرارات في مواجهة ما يقابلنا من تحديات حسب الموارد التي لدينا والحالة التي نعيشها وقت إتخاذ القرار ،ويسأل بعض الناس نفسه (هل أنا صاحب قرار)، وما هي المقاييس أو المعايير التي أعرف بها بأنني صاحب قرار صائب غالباً، وإن كنت لست بصاحب قرار صائب، فكيف يمكن لي أن أكون؟
وتقوده تلك التساؤلات إلى مسارات كثيرة قد يتوه فيها فيجد من البعض معينًا له في مسيرته نحو معرفة الحقيقة، فيأتيه النصح سواءً بطريقة إيجابية أو سلبية كل حسب فهمه إما بحسن نية أو بسواها، فنسأل الله أن يكفينا شر السلبية وما يؤدي إليها ويلهمنا طريق الصواب.
إن إتخاذ القرارات يعتبر أحيانًا عملًا شاقًا فكريًا وجسديًا وربما ماديًا، كحصيلة لنتائج إاخاذ القرار، ولكي نتخذ قرارًا أقرب ما يكون إلى الصواب فهناك عدة أمور علينا التمسك بها، وهناك مقاييس كثيرة علينا أن نتعامل معها قبل اتخاذ القرارات في حياتنا وخاصة المصيرية منها.
وعلى الرغم من كثرة المقاييس؛ إلا أن أهمها ثلاثة مقاييس رئيسية أساسية لمعرفة الوسط أو المسار الصحيح لحياتنا وهذه المقاييس هي عبارة عن مصفيات (فلاتر) من المفترض أن تمر من خلالها كل قراراتنا وكل ما نقوم به في هذه الحياة من أمور سواءً على المستوى الشخصي أو المستوى العام، بحيث نمرر كل شيء من خلال مصفيات سوف أذكرها على التوالي.
وتعتبر الاستخارة هي حجر الأساس لكل أعمالنا في هذه الحياة كما وجهنا نبينا صلى الله عليه وسلم، في حديث جابر بن عبدالله المشهور عن الاستخارة، ثم بعد وضع حجر الأساس تأتي لبنات البناء لاتخاذ القرار والتي أسميها هنا مصفيات:
المرحلة الأولى: صفاية الدين، فننظر إلى الأمر، ونسأل أنفسنا، هل الدين يقبل هذا الأمر الذي ننوي القيام به؟ فإن كانت الإجابة نعم؛ فننظر إلى أي مدى يقبله الدين؟ وما هي الضوابط والحدود؟ ثم نعد العدة للقيام به حسب ما يلزم من متطلبات، أما إن كانت الإجابة لا؛ فنرفضه جملة وتفصيلًا عملًا بقوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) {الحشر/7} ونتوقف.
فإن مر ما ننوي القيام به من خلال صفاية الدين فننتقل إلى: المرحلة الثانية، وهي صفاية المجتمع، وهي أكثر تعقيدًا من صفاية الدين وذلك لأن الدين واضح وصريح وأما المجتمع ففيه ما فيه من المتناقضات، فنسأل أنفسنا: هل المجتمع يتقبل ذلك الأمر؟ فإذا كانت الإجابة نعم؛ فنُقبِل عليه بعد أن نحلله تحليلًا منطقيًا بناء على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار)، وأما إن كانت الإجابة لا؛ فننظر هل (لا) مبنية على أساس ديني صريح أم عبارة عن عادات وتقاليد اكتسبت قدسية لدى المجتمع مع مرور الزمن؟ فإن كانت الأولى نتخذ بها وإن كانت الثانية ننظر لأنفسنا وهل نحن على قدر كاف من تحمل مسؤولية ما ننوي القيام به؟ وهل نستطيع عمل ما قررنا القيام به من غير أن نشعر بالحرج من الآخرين أيا كانت الانتقادات التي تُوجه إلينا؟ وعن مدى تحملنا للانتقادات والاستمرار بوجودها (أيًا كانت) ثم نتخذ القرار متوكلين على الله أو العدول عن ما كنا نود القيام به.
فإن تجاوزنا صفاية المجتمع، ننتقل إلى المرحلة الثالثة، وهي صفاية الذات ومدى قدرتنا على القيام به، فبالتأكيد نحن أعلم الناس بقدراتنا، سواءً كانت مادية أو جسدية أو نفسية، وعلينا أن نكون حريصين كل الحرص على اتخاذ القرار المناسب لنا بناء على قوله تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) جزء من الآية 286 سورة البقرة. ولأن الذات هي التي سوف تتعايش مع القرار فمن الأولى أن يمر القرار خلال هذه الصفاية بعدة أمور تتضافر فيها المعرفة مع الخبرات والقدرات والمعتقدات والحالة الاجتماعية والقدرة على مقاومة التحديات.
ودائماً تكون المرجعية الأقوى للتمسك بها هي للدين، ثم الذات، فإن القرارات السليمة يحكمها ما جاء به الدين الحنيف، ثم الانفعالات الشخصية وما يتبعها من ردود أفعال بناء على قدرات الشخص، والطريقة التي ترجم أو فسر بها الواقع الذي يعيشه أثناء الحدث أو اتخاذ القرار، فمن الأولى أن ننظر دائماً إلى الجانب الإيجابي في كل وقائع الحياة التي تمر بنا عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكانت خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرًا له) رواه مسلم.
ولهذا علينا أن نتخذ قراراتنا سواءً فيما يخصنا شخصيًا أو ما يسري أثره على تعاملنا من الآخرين، وأن نُعود أنفسنا على التحلي بالصبر والتسامح والتماس الأعذار لأنفسنا وللآخرين، وأن نرى أنفسنا دائمًا في موقع المعلم وطالب العلم في آن واحد، المعلم فيما نعرف والمتعلم فيما لا نعرف، بحيث نتعلم ممن هو أكبر منا أو أصغر، أو مثلنا في السن أو العلم أو المكانة الاجتماعية، مرجعين كل ما لدينا سواءً كان ذلك (علماً أو مالًا أو جاهاً) إلى أنها نعمة من الله أنعم بها علينا، ومن الواجب لأداء حقها؛ الإنفاق منها بقدر ما نستطيع عملاً بقوله تعالى (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) الآية 7 سورة الحديد.
إن الواقع الذي نعيشه اليوم بما فيه من التزامات ومغريات يحتم علينا لكي نعيش في هناء وسعادة أن نكون وسطيين في كل أمور حياتنا، وأن نبني لدار الخلود، وننشر المحبة والسلام بداخلنا وعلى من حولنا.
مقالات سابقة للكاتب