من خلال أعمالي وأنشطتي المتنوعة، ومن خلال قراءاتي و تعاملي مع شخصيات مختلفة في هذه الحياة، تعلمت أن العطاء أروع قيمة ليس لها بديلًا أو تعويضًا في قيم ومفردات هذا الزمان.
و للعطاء لذة لا يدركها ويسعد بعبير شذاها سوى نفوس سامية تتقرب من المعطي الوارث سبحانه وتعالى، هذه النفوس لها حواس تدرك الرائحة والطعم، تعطي وهي خجلة مترددة في إظهار ما قدمت إيمانًا واحتسابًا، تعلم العلم اليقين أنها كرّمت بهذه النعمة والقدرة على البذل.
لا يخفى علينا جميعا أنه حين يذكر العطاء والإيثار ويمدح أهله، يتبادر إلى الأذهان نوع واحد من العطاء، فتتصور العقول يدا ممدودة تبذل المال بسخاء، أو كريما يدعو الناس إلى موائد الطعام في صبح ومساء، وأيم الله إن كان ذلك نوعا عظيما من الجود، إلا أنه المعنى الحقيقي للعطاء، يظهر جليا في حديت رسول الله – عليه الصلاة والسلام -: ” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ” .
تعلمت أن للعطاء وجهان ” مادي ومعنوي “، والتنويع بينهما أمر جميل ولكن الأجمل لو قدما معًا كل منهما بفن، فتعطي عطاءً ماديًا بقالب معنوي صادق.
في حياتنا جوانبا كثيرة ومواقفا عديدة، يظهر فيها العطاء ويبرز السخاء، ويعرف بها جود النفوس ويميز كرمها، فتعليم الناس الخير، وقضاء حاجاتهم، وحسن الخلق معهم والتواضع لهم، والصدق في الوعد والوفاء بالعهد، والدعاء للآخرين بصدق، والعفو عن الإساءة والصفح عن الخطأ وتناسي الزلات، وصلة الرحم ولين الجانب مع الأقارب، والإحسان إلى الجار وإكرام الضيف، والتلطف للزوجة والعطف على الأبناء، والتخفيف على العمال والخدم والأجراء، وزيارة المرضى ومواساتهم، وخدمة الموظف لمراجعيه بأريحية وتيسير أمورهم، كل ذلك عطاء وأي عطاء، إنه بحق العطاء الذي يكون له أثر على المعطي وعلى مجتمعه وأمته؛ فالعطاء يفجر طاقات الفرد والأمة، ويفتح آفاقا لبناء التنمية وعزة الأمة والثقة بين أفرادها، والمعطاء يحبه مجتمعه، ويحترمه قومه، ويرضى عن ذاته، ويرضى عنه ربه.
المعطاء يظل بابه مطروقا، وعطاؤه متواصلا، ونفعه متعديا وعظيما، مع حضوره الدائم وخيره القائم.
فحين يستقر في قلبك العطاء من أجل الله سرعان ما تتوالد في النفس مسرات لا مثيل لها أو شبيه ؛ فالعطاء له لذة خاصة تفوق لذة الآخذ بما أخذ، والانغماس في عمل الخير والبذل ومساعدة الآخرين يقي المرء هموما كثيرة قد تعيق حياته.ومن هنا ونحن على مشارف شهر الخير والعطاء , شهر الفضيلة والنماء , شهر رمضان , يحق بنا أن نتأمل عهد نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم .. ذلك عهد كان العطاء فيه متدفقا في كل ميدان، غير به الجيل الأول مسار الأحداث وأعادوا كتابة التاريخ، وما أجمل أن يتصف المسلم بالعطاء وحب الخير للآخرين، والعطاء الصادق لا يحده حد، ولا يقيده شرط، عطاء لمن تحب ومن لا تحب ، يكفيك أنك عند الله مأجور وفي الدنيا كسبت الكرامة .
فالعطاء باب مشرع لكل فئات وطبقات الناس، وهو سهل يسير فلم لا نلج باب العطاء؟! ، ذلك العطاء النابع من ذات الإنسان المقرون بالبشاشة وطيب النفس وجمال المنطق، حينها يكتمل جمال العطاء فنسقي منه مجتمعنا ووطننا وأمتنا؟! ، ويصبح للحياة معنى، وللتعامل طعم، وللمشاعر روح، وهذه النفوس التي تحمل سعادة العطاء تبذل لتجد عطاءها أمامها يوم القيامة عونا وسندا.
فليكن العطاء هو سيد الزمان .. والمكان … وفقني الله وإياكم لجميل العطاء.
نويفعة الصحفي
مقالات سابقة للكاتب