قبل رمضان بفترة ليست بالبعيدة وقعت حكاية أغرب من الخيال؛ وأفظع من الكوارث؛ وأشنع ما يفعله الإنسان بنفسه؛ في تلك الأيام التي كنت أراجع فيها الطبيب لابنتي الصغيرة ذات العامين والتي تعاني من زكام والتهاب في الصدر، وأمر لها الطبيب بجرعات من الأكسجين تأخذها بين فترة وأخرى، أثناء ذلك حدثت رواية غريبة أجزم أن تفاصيلها قد مرت في إحدى القصص أو نقلت عبر إحدى القنوات بصوت الدموع ونظرات الخوف؛ في عيون أهلها واستعجال المسعفين ومشهد رجال الأمن الذين يبحثون عن سبب الواقعة وسط حيرة واستغراب واستنكار.
فتاه مراهقة لم تبلغ العقد الثاني من عمرها تحاول الانتحار، والسبب؟ خلاف تافه بينها وبين أخيها الصغير، مع ضحك أخيها الكبير عليهما، مما جعلها تحاول الانتحار وتشرب الكلوركس (سائل غسيل)، تلك ولم تكن هي الحكاية الوحيدة التي مرت في ذلك الشهر على المستشفى، وقال أحدهم ذات مرة عندما رأى علامات التعجب تعتلي تقاسيم وجهي والغضب مع الخوف ونظرات الاستغراب التي أصبحت تجوب المكان، همس في أذني: ليست الوحيدة يا خالد، ليست الوحيدة؛ فقبل أيام من هذا الشهر أتت حالة مشابهه لفتاه أخرى حاولت أن تنهي حياتها حين تناولت كميه كبيرة من حبوب الدواء، أتت هنا؟ متأكد من هذا؟! مستحيل. نعم متأكد يا خالد، وقطع اندهاشي بكاء الأم على ابنتها وهي تقول: حسبي الله على من زرع تلك الأفكار في عقول بناتنا حسبي الله عليهم.
بقي المشهد عالقا في ذهني لا يفارقني إلى هذا اليوم وإلى هذا الحد بلغ تأثير المشاهد للمسلسلات التركية والكورية التي لا يكاد يخلو مشهد من محاوله انتحار أو مرور لفظ انتحار في سياق أي خلاف ينشب بين ممثلي الأدوار في تلك المسلسلات؟! ما سبب هذا التهاون بأغلى ما يمتلك الإنسان وهي حياته لينهيها بهذا الشكل الفظيع؟
هل هو الفراغ العاطفي؟ أم ضعف الوازع الديني؟ أم العلاقات الاجتماعية الضعيفة التي أصبحت “أون لاين” فقط وعبر جروبات وهمية شاع فيها القص واللصق؟ أم التفكك الأسري وشيوع الطلاق؟ أم غيرها؟ كل هذا لا يبرر شناعة الفعل وإيذاء الذات، وهو كبيرة من كبائر الذنوب التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: «كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة» ويقول الله عز وجل في سورة النساء « ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ».
هناك حلقة مفقودة في ذاك المشهد لم يستطع خيالي البسيط أن يبلغها ليقف على نقاط الخلل الذي يجب على المجتمع التنبه لها وحلها قبل أن تصبح ظاهره يمارسها ضعفاء النفوس من المراهقين عند كل مشكلة؛ وخصوصًا في تلك البقعة التي أتت منها الحالتين.
مقالات سابقة للكاتب