مر على إنشاء مجلس الشوري أكثر من عقدين ونصف لم تتشرف خليص (المحافظة) بأن يكون أحد أبنائها من ضمن الذين تشرفوا بأداء هذه الخدمة الشورية حتى ولو لدورة واحدة، رغم أنها واحدة من أهم وأقدم المحافظات الشمالية بإمارة منطقة مكة المكرمة.
وحيث إن التعليم دخل إليها أواسط الستينات؛ أنتجت هذه المسيرة التعليمية بخليص أكثر من 70 طبيبًا، غير الطبيبات اللاتي بدأن ينتشرن اليوم بكافة مستشفيات المنطقة، والبعض من هؤلاء الأطباء حقق شهرة عالمية وإقليمية في تخصصه، إضافة إلى وجود أكثر من 250 مهندسًا في كافة التخصصات الهندسية، ومنتشرون اليوم بكافة القطاعات الحكومية والشركات الكبرى ، ومنهم من وصل إلى رئيس تنفيذي لكبري شركات “سابك”.
وأنتج هذا التعليم المتقدم بخليص كادرًا وظيفيًا هائلًا بالمحافظة من أبنائها، وأصبح البعض منهم اليوم يدير الكثير من المنشآت بمنطقة مكة المكرمة في مجال التعليم وباقي القطاعات، وخاصة الخدمية منها، وهناك الكثير من المدراء العاملين بالأجهزة الحكومية بالمنطقة وخارجها.
أمر عجيب لهذه المحافظة المليئة بهذا الزخم التراكمي من خبرات، والمؤثرة بمحيطها والقادرة على صنع هوية لها بين محافظات المنطقة، حيث بها هذا التراكم المعرفي بكافة الجوانب، وخاصة وأنها تمتاز بموقع جغرافي مميز يجعلها محافظة توازن بين أكبر كتلتين بشريتين بمنطقة مكة المكرمة؛ وهى مدينة جدة التي بدأت تزاحمها وتحاول الاقتصاص من موقعها لصالح خدماتها، ومدينة مكة المكرمة التي لا تبتعد عنها إلا 30 دقيقة تقريباً .
هذه المعطيات الجاذبة لمحافظة خليص بدأت تجذب بعض كبار المستثمرين، ولكن الهوية الغائبة للمحافظة جعلت المستثمرين يتراوحوا في طرح أفكارهم الاستثمارية ما بين الصناعي والخدمي واللوجستي والمراكز التجارية الكبرى ذات الطبيعة الخاصة لجذب سكان مكة وجدة.
أعتقد أن هذا كله يعود إلى أن المحافظة في السنوات السابقة غائبة تمامًا عن محيطها الاجتماعي، مما أبعد كل الكوادر المتواجدة بالمحافظة للعزوف التام عن العمل الاجتماعي الذي يصنع هوية المحافظة وإبراز صوتها أمام صانع القرار وايصال مثل هذه الكفاءات بخليص إلى مواقعها التي ينتظر الوطن مثلها، وبهذا العزوف المتبادل ما بين المحافظة بالسابق وهذه الكفاءات؛ غابت خليص المحافظة والإنسان عن محيط المنطقة بالكامل الذي ترجم هذا الغياب إلى ترنح في الكثير من مشاريعها الثقافية الصناعية والخدمية والاستثمارية.
وأمام هذه التحديات التي نضعها اليوم أمام المحافظ الجديد؛ الدكتور فيصل الحازمي، أعتقد أن أهم الخطوات التي يبدأ بها المحافظ خطواته التنموية بالمحافظة هي البحث عن صناعة هوية خليص المحافظة والإنسان ، وأعتقد أن الجهاز الإداري المترهل بالمحافظة في العهد السابق كان هو السبب خلف ضياع مثل هذا الغياب للهوية.
لابد على المحافظ أن يلتفت إلى الشباب المتوقد حماسًا للعمل على تطوير محافظته، وإن أقبل المحافظ الجديد على شباب المحافظة وأشركهم في صناعة الإنجاز سيكون موظفًا عامًا يشار إليه بالبنان، وأقول للمحافظ إن أقبلت على شباب المحافظة أقبلوا عليك، ولكن أن أدبروا عنك لن يعودوا إليك مهما كانت المغريات التي تضعها أمامهم وواقع حال المحافظة في السنوات الماضية خير شاهد على ذلك، حتى أيام الأعياد كانت العصافير تنام بأشجار المحافظة بدون إزعاج.
أتمني منكم يا دكتور فيصل أن تبدأ خطواتك بالإعلان عن ورشة عمل كبري لصياغة مستقبل محافظة خليص عبر الرؤيا التي يحملها القائد التنموي بهذه المحافظة؛ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل – حفظه الله – ، وأن تشمل هذه الورشة كافة الخبرات التنموية من أبناء المحافظة ومن خارجها، وياليت تكون بمشاركة الغرفة التجارية الصناعية بجدة وتحت رعايتها ودعمها.
خليص اليوم يا دكتور فيصل أصبحت مرمي حجر من كافة القنوات الاستثمارية الطامحة لإيجاد موطئ قدم لها بخليص، وخاصة المشاريع الكبرى التي تنتظر الانطلاق بعد الحج إن شاء الله، وبهذه المناسبة أضع أمامكم أن تكون توجهات المنطقة للخدمات اللوجستية والصناعية والسياحية والترفيهية، فخليص تمتلك كافة المقومات لمثل هذه المشاريع المتنوعة.
وأخيرًا أهمس إليكم أن يُلتَفت إلى برمجة صناعة العمل التطوعي بالمحافظة، وخاصة أن هناك الكثير من المبادرات التي قام بها بعض شباب خليص، ولكنهم لم يجدوا في الماضي من يساندهم في إيصال صوتهم التطوعي إلى صانع القرار بالمنطقة وغيرها؛ مما أفقد الحماس لديهم وجعلهم يعودون إلى حيث كانت البدايات، وهذا الذي لا نرغبه في عهدكم، ونأمل من خلالكم أن تعملوا على دعم شباب المحافظة وإيصالهم إلى مواقع الخدمة للوطن بصفةٍ عامة وليس للمحافظة فقط.
عبدالله الطياري
مقالات سابقة للكاتب