في البدء أشكر كل مَنْ شارك بالحوار والرد سلبًا كان أو إيجابًا على مقالي، ولا بد من إيضاح بعض النقاط وهو أنني في الحقيقة لا أهدف إلا أن أرى خليصَ وشبابَها وسكانها في أعلى المراتب الاجتماعية والثقافية، وخاصة ونحن نحمل على صدورنا شهادة من رجل دولة ومسؤول وشاعر ومثقف كبير ألا وهو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، حيث قال في آخر زيارة له لهذه المحافظة: إن أبناء هذه المحافظة (مثقفون) ومتعلمون منذ القدم، والتصريح معروف وموثق، وأعتقد أن هذه الثقة وهذا الانطباع الرائع عن أبناء المحافظة من رجل كخالد الفيصل يُحمِّلنا مسؤولية كبرى لا بد أن نحافظ عليها، وأن نصارح أنفسنا بكل عيوبنا، أو أي تشويهات تقع في جسدنا الثقافي، أليس كذلك؟
وأمام هذا كان لا بد من الوقوف أمام بعض الردود التي حملت الكثير من الحدّة أو عدم الفهم لما يهدف له المقال، والبدء يكون دومًا من رئيس اللجنة بالدورة الحالية من الرد الذي سطره ردًّا على مقالي الأخُ الأستاذ أحمد مهنا، الذي أُكِنُّ له كل تقديري واحترامي كرجل تعليم، وتبوأ منصب مسؤولية التعليم بالمحافظة لسنوات طويلة لا أستطيع أن أُقَيِّمَها سلبًا أو إيجابًا لأنني من خارج جسد التعليم، ولا أرغب أن أخوض بالتاريخ التعليمي لكي لا أُحرِّف تاريخه كما صنع هو بِرَدِّهِ على مقالي عندما حَرَّفَ التاريخ الثقافي بالمحافظة، وصنع تاريخًا من أهواء نفسه، وهذا عمل ليس من صفات المعلم.
وأقول لأخي أحمد مهنا: قبل أن تعرف أنت ومن ادعيت لهم أنهم هم صناع العمل الثقافي بالمحافظة، أقول إن ذلك تَجَنٍّ، ويعطي أيضًا دلالة على واقع مرير لواقع الثقافة بالمحافظة ومستقبلها، وأتمنى من أخي الأستاذ المعلم أحمد مهنا أن يعطيني بعض الوقت لكي آخذه الى التاريخ وسرد وقائعه، التي لا يمكن أن تُغَطَّى بغربال، وشهودُها أحياء يتنفسون بيننا واقعَ ثقافة خليص المرير، إلى قبل عشرين عامًا تقريبًا، إلى عام 1418هـ.
عندما قمتُ أنا بإقناع أستاذنا ومعلمنا الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين رئيس النادي الأدبي بجدة وأعضاء مجلس إدارة النادي ـ ومنهم أخي الأستاذ سعيد السريحي وهاشم الجحدلي والعديد ـ بنقل بعض النشاط المنبري لنادي جدة الأدبي إلى خليص؛ حيث لم يكن أيامها أي نادٍ أدبي يقيم محاضرات أو ندوات خارج إطار مقره الرسمي بالمدينة الموجود بها، ولكن الحمد الله أَخَذْنا بخليص السبقَ بهذا المجال، وكان ذلك بدعم من المحافظ التاريخي لخليص آنذاك الأستاذ عبد الرحمن نوار الحربي، وأقيمت أول أمسية منبرية بخليص لهذه الجهود بحضور كوكبة من عمالقة الأدب والنقد والتاريخ والشعر بالوطن؛ لتحتضنهم خليص بذلك الزمان، ولم تتكرر عودة هذه الكوكبة الثقافية إلى اليوم لخليص رغم وجود مؤسسة ثقافية رسمية، وكل من ذكرتهم بالريادة لهذا العمل في ردك أستاذ أحمد لم يكونوا موجودين إلا الدكتور حمزة المغربي الذي أسهم في التنظيم لهذه الأمسية، والتاريخ والخطابات الرسمية تشهد بذلك، والكثير من أبناء خليص يذكرون ذلك.
ولعلم أخي أحمد مهنا فإن هذه المحاضرة أحدثت حراكًا بالمحافظة لم تُحدثْهُ كل نشاطات السنوات العشر من عمر لجنتكم الموقرة، وأيضا نعود إلى التاريخ أثناء مخاض تأسيس اللجنة وصدور الموافقة على تأسيسها من قِبَلِ النادي الأدبي بجدة حيث كنتُ مشاركًا وفاعلا بل إنني كنت وراء فكرة دعوة رموز الأدب والثقافة بخليص ـ ومنهم العلَّامة الكبير عاتق بن غيث البلادي -رحمه الله- والقاصُّ محمد علي الشيخ وغيرُهم ـ للمشاركة في تأسيس هذه اللجنة، وتَكَفَّل أخي عبد الرحيم نافع الصبحي بالمواصلة معهم وهو شاهد على ذلك، بل إنني طالبت بالعمل على تكريم العلامة عاتق بن غيث البلادي، إلا أنه رحل قبل تكريمه في ظل تقاعس اللجنة ورئاستها في الدورة الأولى، رغم المتابعة الدائمة والتحريض لإقامة هذا التكريم للشيخ عاتق لكنه -رحمه الله- لكنه رحل قبل أن يُكَرَّم، ولم تلتفت لجنتكم الموقرة خلال العشر السنوات الماضية لتكريمه حتى بعد رحيله، حتى ولو بمحاضرة عن إرثه -رحمه الله-، وهذا دلالة على أن اللجنة الثقافية بخليص بواقعها الحالي في وادٍ، والثقافةُ وأهلُها بوادٍ آخر.
والتاريخ عندما يُستَحْضَر يا أستاذ أحمد مهنا تحضُر معه الحقائقُ مقرعة للرؤوس، وواضحٌ للعَيَان أن قرعة لا يغطيه شعر، وهو عندما حضرتُ أول اجتماع للجنة الثقافية بعد تأسيسها، وكان برفقتي الصديق الأستاذ محمد الحمادي المفكر الإماراتي، ورئيس تحرير صحيفة الاتحاد الظباينة اليوم، أحد الرموز الفاعلة بالمشهد الثقافي، والصحفي بالإمارات (للتذكير فقط للمتناسين)، طرحتُ الكثير من الرؤى والاقتراحات لتنفيذها بالموسم الثقافي آنذاك ولكن -ولأسباب أجهلها- لم ترَ النورَ، بل تَكَتَّل على هذه اللجنة أصحاب أجندات مسبقة للسيطرة على اللجنة، وهم من خارج سياق النص الثقافي أو الأدبي للأسف، ورغم كل ذلك جلستُ بهذه اللجنة ومن الخارج مطارد الفكر هنا أو هناك؛ لأجل تطويرها وجعلها أكثر حيوية، وحتى أنني دخلت بسِجَال جِدَال عبر أكثر من ثلاث مقالات مع رئيس النادي الأدبي بجدة الدكتور عبد المحسن القحطاني حول ميزانية اللجنة والعمل على دعمها وفكرة تطويرها، ولكنْ كنتُ أُغَرِّد بأرض قاحلة لا تنبت عشبًا ولا تُسْقَى بمطر ثقافي أو أدبي، وهنا أتساءل يا أستاذ أحمد المهنا أليس هذا العمل الذي قمتُ به بذلك الزمان عمل أم لا؟ وأتمنى أن يكون صدرك اتسع لوقائع التاريخ، وأقول كما قال شاعر خليص المبدع مفلح الساطي:
رباه كيف تسيطر الأهواء … ويكون في قول الحقيقة داءُ
أَتُحَاكُ للقلم الطهور قضيةٌ … والحكم فيها صَاغَهُ الجهلاءُ
أما الأسماء المستعارة في كثير من الأحيان لا أرى أنها تستحق الرد، وصاحب الثقافة المتأصلة بداخله دومُا يزهو بإنتاجه ومشاركته بالحراك الثقافي باسمه الصريح، أم المهزوزون ثقافيا هم مَنْ يتسترون خلف الأسماء المستعارة، وأعتقد أن ذلك أبلغ رد على هؤلاء.
أما الأستاذ سعيد الصحفي، أشكرك على مشاركتك بالتعليق على مقالي، وسعيد بكل كلمة طرحتها بالتعليق، وأشاركك الدعاء لهم بأن يستقيم أمر هذه اللجنة لتكون فاعلة بالمجتمع الخليصي.
أما الأستاذ والصديق مفلح الساطي أشكر لك اختلافك معي في بعض مفاصل المقال، وأُقَدِّر رَدَّك كثيرًا، وأقول: نعم، ليس من واجب اللجنة العمل على إجبار المتابعين على الحضور، وكل عمل إبداعي أو ثقافي لا يُجلَب له المتابعون والحضور لأمسياته، أو التواصل معهم، لا أعتقد أنه يستحق المتابعة؛ لأن الإبداع الثقافي والأدبي الحقيقي هو مَنْ يُسَوِّق لنفسه ويجذب الحضور للتفاعل معه، وليس تحويل منبر اللجنة الثقافية بخليص إلى مجاملة الزملاء من الدكاترة بجامعة أم القرى أو الملك عبد العزيز الذي لا نجد لهم أي نشاط يذكر داخل أوساط جامعاتهم ولا حراكًا بالمشهد الثقافي بالوطن.
أما الأستاذ محمد الرايقي أتفق معك في بعض ما دعوت إليه، ولكنَّ هذا الحوار الثقافي الذي نعمل عليه من خلال صحيفة غران هو لإثراء الساحة وشحذ الهمم لصناعة ثقافة وإبداع من أبناء المحافظة خلال السنوات القادمة، وخليص تزخر بالعديد من الكفاءات الفاعلة التي تُسْهِم أكثر مني في المناشط الثقافية والأدبية.
أما الأستاذ متعب الصعيدي والأستاذ عبد الرحيم صالح فوزان رئيس التنمية الاجتماعية بأم الجرم، والأخ سعد الشيخ، أشكركم على طرحكم الراقي الذي صغتم إياه في ردكم وهو دلالة على سمو ثقافتكم، أما الأخ المهندس محمد الصحفي فلا تعتقد أن هذا النقد تحامل، لماذا لا تعتبره أخي محمد تصويبًا نحو الاتجاه الأكثر فاعلية وحيوية مع كامل محبتي وتقديري وشكرا لتفاعلك، أما الإخوة علي الغامدي وعلي بدير وعطا الله المرواني كلماتكم وسام على صدري، أما الأخ أشرف اللبدي أتشرف برأيك، وأما من يقول ويُرَدِّد: “أدعياء الثقافة” فأقول له: أتفق معك أن هناك أدعياء للثقافة كثيرون ومنهم من يحمل الشهادات العليا.
وأخير أختم قولي أيضا بقول شاعرنا الجميل مفلح الساطي:
ماذا جنى قلمي وقد أشعلته … لهبًا به قد تُبْصَر الظَّلْمَاءُ
ماذا جنى قلمي أَغَيْرَ رسالة … لبني دياري أيها النبلاء
أَوَ أنت من يرضى عَلَيَّ بموقف … يا سيدي يرضى به الغوغاء
عبدالله الطياري
مقالات سابقة للكاتب