هناك مقولة قد يتفق البعض معها أو يختلف؛ تقول: حينما يكون الكلام عن الفضيلة مبالغًا فيه والاحتياط مبالغا به فاعلم بأنه تغطية لجرم عظيم، ويقال بأن هذه المقولة لها قصة مؤلمة، وهي أن هناك رجلًا متزوجًا وامرأته تبدو عليها علامات الصلاح، وفى أحد الايام وجدها باكية وحزينة فسألها عن سبب بكائها وحزنها فقالت إن الطيور تقف على شجرة المنزل وتنظر إليها وهي كاشفة الوجه، وإنها تخاف أن في ذلك معصية للخالق!، فقام الرجل وقطع تلك الشجرة، وفي أحد الأيام رجع على غير عادته فوجد زوجته مع عشيقها فقرر أن يرحل من هذه البلدة إلى بلدة أخرى لا يعرفه فيها أحدًا، وعندما دخل البلدة وجد الناس مجتمعين وهم في حالة من الغضب فسألهم عن الأسباب، فقالوا إن خزانة الوالي سرقت ولا نعرف من سرقها، فإذا برجل مقبل عليهم يمشى على أطراف أصابع رجليه فسألهم من هذا؟ قالوا إنه شيخ البلدة؛ ومن شدة ورعه وخوفه يمشى كما تشاهد مخافة أن تدعس رجليه على نملة فتؤذيها، فقال الرجل أين الوالي؟ إننى أعرف من سرق خزانته؟
فذهبوا به إلى الوالي فقال إن الذي سرق خزانته شيخ البلدة، وإن لم يكن هو السارق فجزائي أن تقتلني، فتم التحقيق مع الشيخ المزيف فاعترف بسرقته، فسأل الوالى الرجل كيف عرفت؟! فقال تلك المقولة.
إن كنت ضد تسليط سيوف الشك والريبة على رقاب الناس، فإنني أتفق مع هذه المقولة، فالحذر واجب، وليست كل النوايا طيبة في مجملها، ولستُ بالإنسان الواقعى المستسلم للواقع بدافع الخوف والاستسلام ولا من باب النفعيه والاستغلال، ولست مصابًا بداء الوهم المثالي الذي يفتقد روح القابلية للتنفيذ على أرض الواقع، بل يستقر في سرداب المستحيل.
نجد البعض يتحدث بمثالية عن التسامح والفضيلة والمحبة والألفة بين أفراد المجتمع، رافعين شعار الإصلاح بين الناس، وهم في الحقيقة عكس ذلك، بل سببًا مباشرًا في القطيعة بين الأهل والأرحام وتفكك العلاقات بين الأفراد.
إنها مثالية زائفة مضللة، وشعارات خادعة وخيبة أمل للمخدوعين، سقطت فى وحل الخزى والعار والفساد الأخلاقي في أول امتحان لها، فلن ينعدل ميزان الحياة بهذه المثالية المزيفة، وليبقَ المثاليون الحقيقيون سجناء أفكارهم الموغلة في عالم الخيال.
وضاح