ظلام، هدوء، راحة، ضعف، مضغه! .. هكذا كنت داخل من حملتني في بطنها تسعة أشهر!
صبَرت، تحملَت، فرحَت، وحزنَت، استبشرت، وبشَّرت، تحمَّست، وانتظرت قدوم مولودتها التي انتظرتها طيلة هذه الأشهر!
في يوم 12\11 من عام 1419هـ، في أحد المستشفيات تسمع صراخ طفلة أتت على هذه الحياة التي تُخبئ في باطنها الكثير من المُفاجآت لها!
ولعدم علم والديها بإعاقتها صعقوا بهذا الخبر الذي كانا على قلبيهما شيئا ثقيلاً!
كَـبُرت هذه الفتاة وكبُرت معها متاعب حياتها حتى وصلت لسابع عُمرها وواجهت في حياتها أول مشاكلها: عدم توفُّر العلاج لمرضها الذي يدعى “هشاشة العظام”، الذي كان لا يوجد في منطقة جدة مما جعلها تنتقل إلى العاصمة الرياض حتى تتلقى العلاج الكافي، وتليها مُشكلة التعليم الذي كان أكبر عائقٍ لها في الوصول كما وصل غيرها!، كانت المعوقات: عدم تهيئة مباني المدارس في “محافظة خليص” بالشكل الكافي لهذه الفئة الجبارة ذات الأحلامٍ الهادفة، مثل عدم تهيئة المزالج للعربات داخل وخارج المدرسة، وعدم توفر مصاعد بكل مدارس خليص أو حتى خارجها!، وعدم توفُّر فصول في الدور الأرضي، إضافةً إلى وجود المعامل الدراسية في الأدوار العليا، غير ذلك عدم تعاون بعض من المُعلمات سواءً في خليص أو خارجها؛ مما يدفعها أن تصعد ثلاثة أدوار يوميًا وعدم مراعاتهم لظروفها الصحية، وبالمقابل نقدم الشُكر لكل معلمة قدمت يد العون والمساعدة لها من الناحية المعنوية والفعلية؛ وخصوصًا التي قدمت لي خطوة إيجابية الأستاذة ” زكية الصبحي” رئيسة الشؤون التعليمية بمكتب تعليم خليص. ومعلماتي: “نهى الغانمي و زينب الجغثمي” اللاتي كن سببًا في إظهار مواهبي وتقديمي لهذا المقال. أشكر كذلك مديرتي “مها الشابحي” التي كان لها دورًا كبيرًا في توفير ما أحتاجه داخل المدرسة.
ومن المشاكل التي واجهتني مُشكلة عدم تهيئة الشوارع، وعدم وضع المزالج في كل رصيف وفي كل طريق؛ مما يدفعها أن تذهب بكرسيها المتحرك وسط السيارات وزحمة الحافلات ولكن بفضل الله وبفضل شخص ما قدم لها مساعدة بسيطة تسد فيها حاجتها بوضع القليل من المزالج في أماكن محددة حتى تصل إلى مدرستها بشكل آمن وهو الشيخ ثابت المزروعي، فله جزيل الشَكر والتقدير لما قدمه.
ونأتي للمشكلة الأهم التي تعد سببًا في المتاعب أو بالأصح في عدم إكمالها لمواجهة الحياة بكل قوة واندفاعية وهي نظرة المجتمع والمحيط الذي يحتويها بنظرات شفقة وقلة تقدير لذاتها
لعدم معرفتهم لها ولكن بالإرادة والعزيمة جعلت من نظرة المجتمع السيئ إلى نظرة إيجابية تحمل الحب والتقدير والامتنان، وحتى أنها أصبحت قدوة لمن حولها، نتوقف قليلًا إلى هنا.
أريد أن أتكلم بصوتي الآن وأذكر القليل من أهدافي فأنا أريد أن أصُبح شيئًا كبيرًا هادفًا بالمجتمع، وأن أكمل دراستي وأتخصص بمجال علم النفس، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه، وأصبح كاتبة كبيرة ذات خبرة عظيمة.
ذكر أهدافي هنا ليس إظهارًا لماهيتي بل لأكون صوتًا لمن لا صوت له من هذه الفئة المهمشة وطريقًا لمن أوقفته المحطات!، أما أنا فمازلت أسير لأمهِد لهم الطريق، أريد لهم حياةً أسهل وحقوقًا ملباة، أريد أن أرى مجتمعي يعترف بنا و بوجودنا أريد أن أرى الطرق تثبت ذلك والمدارس أيضًا.
ورغم كُل المصاعب لم أتوقف، بادرت، سعيت، حلمت، كافحت، وصبرت، ربما كان في طريقي الكثير والكثير من العقبات التي كانت سببًا في هدم ما رسمت له بالعزيمة التي كانت سلاحي وبالأمل الذي كان سندي وقبل كل شيء الرب الذي لا يترك للعبد حاجةً لم يلبيها، وبعدها يأتون والديّ، وصلت، وارتقيت، وارتفعت واجتزت أصغر وأدق وأصعب ما كان يستصعبه العقل بأن يتخيله!، وأنا الآن أشق طريق النجاح لأني جعلت “إعاقتي سببًا جميلًا في إيصالي لما أريد”.
فيا ابن ادم ؟ ليس كل عبء بالحياة صعبًا ولا كل عسرٍ مشقة بل لكل عسرٍ يُسرا وبكُل ألمٍ لذة حتى ولو تعثرت ؟ قم، واصل، أكمل، اسع وبادر، لا تجعل من كل حُفرة ضيقه سببًا في سقوطك، إن لم تقاوم فسوف تنكسر وإن انكسرت غاب حُلمك وإن غاب حُلمك غاب معه معنى ذاتك فتمسك بما رسمته واجعل أحلامك ترقى ولا تدنى.
شذى أحمد المزروعي
مقالات سابقة للكاتب