تنشط في محافظتنا الكبيرة مساحةً، الصغيرة إنجازًا ، المعدومة حظًا؛ خمسة من الصحف الإلكترونية أو أكثر تجاوز عمر بعضها عقداً من الزمن، ورغم ما سجلت من حضورٍ وكسبت من تفاعلٍ وحققت من تطور تقني حتى أصبحت تفعل كافة أدوات التواصل للوصول لقرائها عبر قنوات (تويتر، فيسبوك، سناب شات، انستغرام) وغيرها من وسائل التواصل، ونجحت كثيراً في ملاحقة الأخبار الآنية انطلاقاً من مواقع الحدث، ولم تكتفِ بالنقل المجرد بل دعمته بالصور والشواهد اللازمة؛ رغم كل ذلك إلا أنها مازالت وبكل أسف لم تخرج من دائرة صحافة “البهرجة”، وذلك لعدم قدرتها على تجاوز عثراتها التي بدأت بها، حيث لم تحدد منهجية واضحة لتقييم أعمالها بين الفترة والأخرى، وتقويم مسارها وتصويب أخطائها.
ومن تلك العثرات على سبيل المثال لا الحصر:
ـ مازالت تتعامل مع الأحداث من زاوية واحدة تمثل وجهة نظر الصحفي الناقل فقط، ومدى رضاه عن الحدث ( موضوع الخبر والمسؤول المنفذ ) ، وتُهمَّش انطباعات المستفيدين، وتغفل عن رصد رضاهم، علماً أنه المحك الرئيس والمؤشر الأهم لتقييم وتقويم العمل الصحفي سواء كان (خبراً، تقريراً، مقالاً، تحقيقاً.. إلخ) ، ومثال ذلك طبَّلت هذه الصحف قبل أيام ومازالت لمهرجان ربيع خليص، وبالغت في ذلك ولم تترك أي مساحة لرصد ملاحظات الحضور وامتعاضهم وما أكثره في مواقع التواصل.
ـ نشر كثير من الأخبار التي تثير العصبية المقيتة بحسن نية، وإن كان في الظاهر هي أخبار عادية، لكن عندما توظف لإظهار فخر واعتزاز قبيلة معينة؛ فتلك من المحرمات في عالم الصحافة.
ـ الصياغة غير الموضوعية لكثير من الأخبار؛ الأمر الذي يضعف مصداقية الخبر ولعل أحدثها خبر “توجيه مدير تعليم جدة بإنشاء مركز تدريب في تعليم خليص” فرق كبير بين قرار ملزم التنفيذ وبين مجرد توجيه، وما صدر هو قرار من الإدارة العامة باعتماد نهائي وليس مجرد توجيه.
ـ إطلاق المصطلحات المهنية لمنسوبيها على غير واقعها، فمثلاً “الإعلامي فلان” فرق كبير بين الإعلامي والمحرر الصحفي، فالأول هو الممارس لأكثر من نشاط صحفي في وسائل مختلفة في مدة زمنية طويلة تمكنه من الحصول على الخبرة اللازمة، أما المحرر الصحفي فهي التسمية المناسبة؛ إذ جميع الممارسين لهذه المهنة في المحافظة مبتدئين ومازال الطريق أمامهم طويلًا جداً.
ـ عدم إلزام كاتبي المقالات بخط صحفي واضح ومنهجية تحترم القاريء، فمن غير المنطق أن ينبري كاتب للمدح والثناء والإطراء لأي مسؤول في المحافظة لشيء في نفسه، دون أن يقدم الشواهد المقنعة احتراماً لعقل القاريء وتأكيداً لمصداقية الصحيفة.
ـ التمجيد لبعض المجالس كالمجلس البلدي، وعدم نقل تساؤلات الناس وامتعاضهم من عدم تفاعل هذا المجلس مع المطالَب الملحة لهم، كون الهدف من تأسيسه أن يكون بمثابة همزة وصل بين عامة الناس والدوائر الحكومية المعنية، وتبني مطالبهم بكل صدق وموضوعية.
ـ تعويم الإشادة بالإنجازات في المهرجانات بدءًا ببرنامج “كيف نكون قدوة” مروراً باليوم الوطني، انتهاءً بمهرجان ربيع خليص، حتى تساوي بين الجهة الرئيسيّة المنفذة وبعض الجهات التي تقدم مشاركات محدودة جداً ، فمثلاً الذي تبنى مهرجان ربيع خليص هو اللجنة الاجتماعية ونادي الترجي، وباقي المشاركين ساهموا فقط بأدوار محدودة، فلا يمكن أن نساوي المشارك بعمل بسيط بالجهة الرئيسيّة التي تبنت المهرجان بكامله.
ـ عدم توظيف الإخراج بالصورة التي تخدم الحدث، فنجد حدثاً مهماً يحشر في زاوية ضيقة وآخر أقل أهمية يتصدر أخبار الصحيفة ويكتب بالبنط العريض.
أخيراً؛ هذه مجرد ملاحظات بمثابة عتاب مُحب عاشق للعمل الصحفي، وهذا لا يغفل أبداً المنجزات الجيدة للزملاء رؤساء التحرير؛ فهم يتحملون أعباء شاقة لمهنة المتاعب، ولعلي أخص هنا صحيفة «غران الإلكترونية» التي سجلت أرقاماً عالية تؤكد مستوى حضورها الفاعل في الميدان، ثم صحيفة خليص اليوم التي يسجل لها شرف السبق في الظهور كصحيفة إلكترونية في المحافظة.. دُمتم سالمين.
محمد صامل الصبحي
محرر صحفي سابقاً
صحيفةٌ ” المدينة”
مقالات سابقة للكاتب