اللون الأبيض رمز للطهارة والصفاء والفطرة والنقاء يوحي بالسكينة والطمأنينة اللون الأبيض حكاية تطول وقصة تروى .إنه البياض بياض القلب ونقاء السريرة , الا ترون أن حمامة السلام تزهو باللون الابيض فغدت رمزا للمحبة وعنواناً للخير ورمزاً للسلام .
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه …… ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهذا البيت جاء في لامية عظيمة لابي طالب في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم قيل عنها أنها أبلغ من المعلقات السبع . والأبيض هنا بمعنى الكريم كأن يقال لفلان عندي يدٌ بيضاء أي معروف . ولست هنا بصدد شرح البيت لكنها اشارة فقط فكم من يدٍ بيضاء لنبينا الكريم على أمته . رزقني الله وإيكم محبته وحسن متابعته والشوق إليه ! اليس هو القائل وددت أني رأيت اخواني ..الحديث .
قال ابن هشام : أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه ، فشكوا ذلك إليه ، فصعد المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون إليه الغرق ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالاكليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرّه ! فقال له بعض أصحابه : كأنّك يا رسول الله أردت قوله : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ، قال : أجل .
وماء حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا . إنه البياض صفاء الماء ونقاؤه وطهارته . فلعلكم مثلي الآن أحببتم اللون الأبيض ! انتظروا الحكاية لم تنته بعد .
ورغم جمال اللون الابيض لكن الامر ليس على اطلاقه فاللون الابيض اذا ظهر على الشعر فمن المؤكد أنه مغلق بعض الشي وإذا كان للشباب صهوته وصولته؛ فإن للشيب هيبته وحكمته ، فقد قال عبد العزيز بن مروان:” من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: “الإسلام، والقرآن والشيب” فالشيب أول الطريق إلى الله وعلى المؤمن أن يستحي من الله إذا بدأ الشيب يدب في مفرق رأسه. وقد قالت العرب قديما في الرجل إذا شاب شعره: ” ليله عسعس ، وصبحه تنفس”!!
ومن أجمل ما جاء في كتب التراث العربي التي تناولت حكايات الشيب بين النساء والرجال ما جاء عن رجل أمشط (أمشط : خالط سواد شعره البياض) جاء خاطباً لامرأة جميلة فقال لها: يا هذه إن كان لك زوج فبارك الله لك فيه ، وإلا فأعلمينا فقالت: كأنك تخطبني؟ قال : نعم ، فقالت: إن فيَّ عيباً ، قال: ما هو؟ قالت: شيبٌ في رأسي، فثنى عنان دابته فقالت: على رسلك ، فلا والله ما بلغت عشرين سنة، ولا رأيت في رأسي شعرة بيضاء، ولكنني أحببت أن أعلمك أني أكره منك ما تكره مني.
واذا فتشنا في دواخلنا عن اللون الابيض وعلاقته بما يجري في عروقنا نجد أنّ كريات الدّم البيضاء هي المسؤولة عن جهاز المناعة في جسم الإنسان لمقاومة شتّى أنواع العدوى والأمراض، ويؤدي نقصها عن الحد الطبيعي إلى بروز خلل في قدرة الجسم المناعيّة في مواجهة الكثير من الأمراض، وفي بعض الحالات يؤدي نقصها الشديد إلى تشكيل خطر كبير على الحياة أو القضاء عليها وانهاؤها في نهاية المطاف، كم هو عظيم هذا اللون ! وكم يضفي على حياتنا صحة وحيوية و نشاطا ورغم أني امقت التعصب إلا إني أجد نفسي هذه المرة منحازاً . بقوة إلى اللون الأبيض .
وللألوان ارتباط كبير بحياتنا اليومية وفي تحديد الكثير من قراراتنا فربما توقفنا عن شراء سلعة معينة بسبب عدم توفر اللون المفضل ! وربما ترددنا كثيرا في اختيار طلاء أحد الغرف ! وربما رفض البعض لونا معيناً كونه يمثل لون النادي المنافس ! ويظل اللون الابيض سيد الموقف ويبقى لونك المفضل عزيزي القارئ هو ملك الالوان فلا تقلق !
ليتنا نبادر إلى كل نقطة سوداء في حياتنا ونغطيها بالبياض لتغدوا قلوبنا ونفوسنا بيضاء نقية تحمل الخير في طياتها وتبثه للناس كافة احساناً وسمواً وعطاءً وكل معصية هي نقطة سوداء مظلمة في القلب وكل طاعة هي نقطة بيضاء منيرة في القلب .ولو تأملت الوجوه التي تمر بك لرأيت وجوهاً بيضاء صافية مشرقة متألقة انطوت على قلوب بيضاء نقية ولو تمعنت قليلاً لرأيت وجوهاً (كأنما أغشيت قطعا من الليل مظلما ) لربما انطوت على قلوب ملئت نكتاًُ سوداء . فرق كما بين الثرى والثريا . فالله در اللون الأبيض لم يبق لنا حُسناً إلا تملّك زمامه ولا جميلاً إلا تربع على عرشه !. فتجملوا بالبياض دثاراً وشعاراً تزدادوا حُسناً وجمالاً .
والآن هل ستغير لونك المفضل؟! إذا لم تفعل فضلاً أعد قراءة المقال !
عبدالرحمن مصلح المزروعي
مرشد طلابي بثانوية عين جالوت بمكة المكرمة (سابقاً)
مقالات سابقة للكاتب